هل تؤجج القيود الناتجة عن الكورونا التوترات الدينية في الشرق الأوسط؟

عدد من المواطنين البحرينيين العالقين في إيران
عدد من المواطنين البحرينيين العالقين في إيران

جنيف عبدة وآنا إل. جاكوبس - مركز بروكينغز - 2020-04-16 - 2:51 ص

ترجمة مرآة البحرين

ينتشر فيروس كورونا الجديد، المعروف باسم كوفيد-19،  الذي يسبب المرض، في جميع أنحاء الشرق الأوسط ويعيد إشعال التوترات الدينية، حيث تشدد الحكومات أزمّة ممارسات طويلة الأمد باسم مكافحة الجائحة.

ولا شك في أن القيود بما في ذلك إغلاق المقامات الشيعية في العراق وإيران وإلغاء الحج إلى مكة في المملكة العربية السعودية، ضرورية لأسباب تتعلق بالصحة العامة. عادة، تجذب هذه المواقع ملايين الحجاج المسلمين. يقبل المسلمون الشيعة جدران المقامات، حيث دُفِنَت  شخصيات دينية. مثل هذه التجمعات التي طال أمدها هي أرض خصبة للأمراض في الأوقات العادية، وستؤدي بالتأكيد ستؤدي إلى انتشار  كوفيد-19 بشكل أكبر، ربما بخلاف أي شيء شوهِدَ حتى الآن.

لكن يمكن أن يكون لهذه القيود الدينية عواقب مدمرة. وبغض النظر عن حذر الحكومة، في دول مثل المغرب والمملكة العربية السعودية والبحرين والعراق، ينظر الكثيرون إلى القيود على أنها انتهاكات للممارسات الدينية، وفي بعض الحالات، قمع صريح للأقليات الدينية.

السؤال الذي يطرحه عدد من المسلمين في المنطقة هو: هل سيعود التعبير الديني، كما عرفوه، مرة واحدة بعد انتهاء فترة الكورونا؟ أو هل من الممكن استخدام الوضع الطبيعي الجديد كمبرر آخر لتهميش التعبير الديني الذي يعتبر متطرفًا للغاية، أو الممارسات الدينية غير الملائمة سياسياً؟

المملكة العربية السعودية،  قامت على سبيل المثال، بإغلاق محافظة القطيف الشرقية - موطن أقلية شيعية يبلغ عدد سكانها حوالي 500.000 - وفرضت الحجر على الناس هناك. كانت هذه المقاطعة الوحيدة في البلاد التي تم عزلها تمامًا. الشيعة في القطيف على خلاف دائم مع حكومة المملكة العربية السعودية التي يهيمن عليها السنة. ويقول المسؤولون السعوديون إنه كان من الضروري تعليق الدخول إلى المحافظة والخروج منها، لوقف كل الأسفار إلى الدول المجاورة ومنها. يسافر الزوار الشيعة إلى إيران، على سبيل المثال، لزيارة المقامات المقدسة في قم ومشهد، على الرغم من أنّ ذلك غير قانوني.

المسؤولون السعوديون وجّهوا أصابع الاتهام إلى إيران، مركز [الإصابة] بالفيروس في الشرق الأوسط، لنشرها المرض في جميع أنحاء المنطقة. إيران هي المنافس الإقليمي الرئيس للمملكة العربية السعودية، وتثير القيود تساؤلات حول ما إذا كانت هناك دوافع أخرى في المسألة، وما إذا كانت ستتم إعادة فتح منطقة القطيف عندما تهدأ معدلات الإصابة بالكورون. يحرم تعليق الدخول إلى القطيف والخروج منها الشيعة من زيارة الأضرحة المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، التي تشترك في حدودها مع السعودية. يزور ملايين الشيعة الأضرحة، التي تعتبر الأقدس، في المدينتين كل عام.

يمكن للسعوديين الحفاظ على الإغلاق إلى أجل غير مسمى، وبذلك يصعب على الشيعة تعميق الروابط بين المجتمعات الشيعية المجاورة. في السنوات الأخيرة، تطورت الشبكات والانتماءات العابرة للأوطان بين المجتمعات الشيعية عبر الحدود، وهي الآن في خطر.

وعلى نحو مماثل، في البحرين، تؤخر الحكومة التي يسيطر عليها السنة عودة أكثر من 1000 زائر شيعي من إيران على خلفية الكورونا. وقد زاروا مدينة مشهد المقدسة، موطن ضريح الإمام الشيعي الثامن، علي بن موسى الرضا. على الرغم من أن هذا احتياط صحي منطقي، بدلاً من تركهم خارج حدود البحرين من دون وجود خطة في الأفق، كان من الممكن للسلطات السماح لهم بالدخول والطلب منهم تنفيذ الحجر الصحي، كما كان الحال في عدد من البلدان حول العالم.

مارست حكومة البحرين التمييز ضد غالبية سكانها من الشيعة لعقود، وازداد هذا السلوك بعد الانتفاضة التي قادها الشيعة ضد الحكومة في العام 2011. حكومة البحرين هي أيضًا عدو قوي لإيران، وغالبًا ما تزعم أن [البحرينيين] الشيعة الذين يزورون إيران متورطون بالفعل في تحاول تقويض الحكومة البحرينية بدعم من طهران.

اتخذ المغرب إجراءات سياسية صارمة في وقت مبكر لمحاربة انتشار  فيروس كورونا، وعلّق الرحلات الجوية وإغلاق الأماكن العامة المختلفة، بما في ذلك المطاعم والمقاهي والنوادي الرياضية والحمامات ودور السينما، في 16 مارس/آذار. وفي اليوم ذاته، أصدر المجلس الأعلى للعلماء فتوى بإغلاق المساجد مؤقتًا. صدرت هذه الفتوى استجابة لطلب من الملك محمد السادس بصفته "أمير المؤمنين". في 20 مارس/آذار، أعلنت الدولة عن "حالة الطوارئ الصحية" وأطلقت العنان لقوات الأمن لتنفيذ الحظر المفروض على التجمعات العامة.

كان هناك اعتراض على إغلاق المساجد. نشر الداعية السلفي أبو نعيم شريط فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يدين الإجراء السياسي. تم القبض عليه بسرعة بتهمة "التحريض على الكراهية" و "تقويض النظام العام". واستشهد سلفيون آخرون، منهم حسن الكتاني، بفتوى لرجل دين كويتي، حاكم المطيري، دان فيها إغلاق المساجد وتعليق الصلوات اليومية في جميع أنحاء المنطقة. وبحسب تقارير إخبارية عربية، تجمع العشرات في مدن طنجة وفاس وسلا وتطوان في الخارج للصلاة واحتجاجا على إغلاق المساجد يومي 21 و 22 مارس/آذار.

ألقي القبض على عدة أشخاص لانتهاكهم حالة الطوارئ الصحية. في حين احترم معظم المغاربة لحظر على التجمعات العامة، بما في ذلك التجمعات الدينية، أعرب الكثيرون عن قلقهم من تأثير هذه التدابير على الطقوس الدينية، مثل الدفن. أصدرت وزارة الصحة "بروتوكولًا خاصًا" لدفن الذين توفوا بسبب فيروس كورونا، وكذلك توجيهات جديدة للدفن بشكل عام منذ إغلاق المساجد. هذا يعني أن الصلوات لا تقام في المساجد، بل في المقابر. ويُسمَح لعدد محدود من الأشخاص بالحضور.

في الوقت الحالي، تتوافق هذه القيود المتعلقة بحظر التجمعات العامة - بما في ذلك الخدمات الدينية - مع السياسات المطبقة في جميع أنحاء العالم، وفقًا لنصائح منظمة الصحة العالمية، للحد من انتشار فيروس كورونا.  ومع ذلك، فإن هذه القيود لا تجري في الفراغ، ويمكن استخدامها في المستقبل لتضييق الخناق على الحرية الدينية. استهدفت السلطات المغربية السلفيين والإسلاميين بشكل أعم في الماضي، خاصة بعد هجوم إرهابي كبير  في العام 2003 في الدار البيضاء. وقد استهدف النظام بشكل خاص جماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة. ومع ذلك، أعربت هذه المجموعة عن تضامنها مع الإجراءات الحكومية وشجعت الناس على البقاء في منازلهم، في عرض نادر للوحدة.

في العراق، نشأ جدل حول دفن ضحايا فيروس كورونا. بعض العراقيين لا يريدون دفن الموتى خوفًا من أن ينتشر المرض من الجثث إلى عامة السكان. منع بعض المتظاهرين السلطات من دفن الضحايا. تدخل آية الله العظمى علي السيستاني، الذي يعتبر أكثر شخصية دينية موثوقة في العراق، بفتوى وأعلن أنه يجب لف القتلى بثلاث أكفان ودفنهم، كما هو مطلوب في الإسلام. إحراق جثة الميت محرم في الإسلام.

للشرق الأوسط تاريخ طويل من القيود الدينية والمحسوبية التي تفرضها الحكومة. وفقًا لدراسات أجراها مركز بيو للأبحاث، والذي درس القيود الدينية لسنوات، احتل الشرق الأوسط المرتبة الأعلى في العالم للقيود الدينية كل عام من العام 2007 حتى العام 2017. ووجد مركز بيو أن 19 دولة من أصل 20 دولة في المنطقة (باستثناء لبنان) ) يفضلون دينًا، و17 دولة لها دين محدد، واثنتين لديهما دين مفضل.

قد ينحسر فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم في نهاية المطاف، ولكن قد يكون أثره على كل من السياسات والممارسة الدينية في الشرق الأوسط محسوسًا على مدى السنوات القادمة من دون علاج في الأفق.

النص الأصلي