علي الأسود: تطبيع "التطبيع" خليجياً

مؤتمر
مؤتمر "السلام من أجل الازدهار" لم يجلب الازدهار للفلسطينيين ولكنه جلب التطبيع الخليجي لإسرائيل

علي الأسود - 2020-08-18 - 11:41 م

في السياسة الدولية لا شيء يحدث فجأة، فإن لم تكن هناك مقدمات تُمهد له، ثمة نبوءات تُخطر عنه! 

وعليه، لم تكن الخطوة الإماراتية الأخيرة (١) اللاهثة وراء التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وليدة قرار لحظة آنية، فكل ما هنالك أن الاتفاقية المُوقعة بين الطرفين أظهرت ما كان خفياً (٢)، بذات القدر الذي أظهرت فيه أعلى درجات المهانة الذي وُصمت به سياسة دولة خليجية، وذلك في مقابل إرادة شعبية مُناهضة ورافضة لها على نحو صريح ومباشر.

وفي البحرين، باعتبارها الدولة الخليجية التي أُشيع فوراً بأنها ستلحق الإمارات في هذا التحرك المُذل، إن على المدى القريب جداً أو القريب أو حتى البعيد، ثمة شعب يُطلق صرخات مُدوية رافضة للمسار التطبيعي، علماً بأن هذا الموقف شهد توحد رأي الطائفتين الكريمتين من السنة والشيعة (٣) ، ولأن الشعب بكل أسف لا يملك سوى تمثيل صُوري في سلطة تشريعية ضعيفة يُفترض أن تمثل إرادته الحقيقية عوضاً عن إرادة القصر، يُخنق صوته وتُقمع حريته في التعبير عن رأيه ويُغيب عن المشهد، فإرادة الديوان الملكي أقوى وصوتها في بيت ممثلي الشعب بغرفتيه أعلى! 

وهذا ليس جديداً أو غريباً، فلطالما كان مزاج الشعب بعيداً عن سلطة الحُكم المنفردة بالقرار، وفي ذات الوقت فإنه لطالما كان الانقسام بداخل السلطة نفسها، أي العائلة الحاكمة وأجنحتها المُتناكفة، بحيث يتجه عددُ من المتشددين في السلطة تجاه التطبيع السريع، في قبالة عددٍ من المتحفظين عليه، ولعل ما أشيع عن رفض رئيس الحكومة "عم الملك" للتطبيع هو مثال على ذلك (٤).  مع أن أولى خطوات التطبيع في الحقيقة قد بدأت في عهده وفي ظل سطوته القوية حين زار يوسي ساريد، وزير البيئة الإسرائيلي الأسبق في حكومة إسحاق رابين، العاصمة البحرينية المنامة على رأس وفد دبلوماسي رسمي كبير للمشاركة في المناقشات الإقليمية حول القضايا البيئية، وتحت ذريعة أن الزيارة جزء من عملية السلام متعددة الأطراف التي انطلقت بعد انعقاد مؤتمر مدريد عام 1990.

وبالتأكيد، لقد مر العمل على تطبيع فكرة "التطبيع" لدى العقل العربي والخليجي بعدة مراحل وعُلقت عليه جملةٌ من الأسباب والتبريرات والمُحفزات الوهمية بالتزامن مع جائحة "كورونا" (٥)، على شاكلة إنتاج لقاح إسرائيلي ضد الوباء، وهو أمرٌ مرفوضٌ شعبياً في الداخل الخليجي من أن تصبح دولة الاحتلال مصدراً لدوائهم وغذائهم.

هذا فضلاً عن التمهيد لعقد اتفاقات محتملة أخرى عسكرية وأمنية (٦) معهم في المستقبل، وذلك تحت ذريعة جاهزة تتمثل في مواجهة ما يعتبرونه عدوا استراتيجيا آخر جار وهو إيران، وبالتالي يتم اليوم تقديم دولة الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة مباشرة مع إيران، فتُحاك خيوط التقارب والتصالح معه كبديلٍ أكثر أماناً وأقل خطورة، كما يرسم لذلك كوشنير العراب الأمريكي. ولهذا يمكن أن يُلحظ عبر التصريحات الإيرانية الرسمية الأخيرة الإشارة لخطورة المشهد بالنسبة إلى أمنها في المنطقة باعتبارها ضمن محور الممانعة (٧) . وإن كان التعاون الأمني الخليجي مع المحتل الإسرائيلي ليس بخافٍ، حيث سبق وأن تسربت أنباءٌ عن استعانة السلطات البحرينية بخدمات  إسرائيلية في مهام التجسس على معارضيها في الداخل والخارج (٨) ، ما يؤكد مسألة التعاون بين الأجهزة الأمنية، ناهيك عن لقاءات سابقة خاصة وسرية مع مسؤولين بحرينيين. كما يجدر التطرق إلى أن البحرين أنهت المقاطعة الثانوية للبضائع الإسرائيلية في عام ١٩٩٤، وأن حكومة البحرين قررت إلغاء المقاطعة الأولية أيضًا "بهدف تعزيز الأمن والتعاون الإقليمي"، وفي أغسطس /آب ٢٠٠٦ أغلقت السلطات مكتب المقاطعة الإسرائيلية وهو خلاف الإرادة الشعبية كذلك.

الواضح للعيان أن حكومة البحرين كانت تمضي بخطوات متسارعة نحو تطبيع العلاقات مع سلطات الاحتلال، خاصة بعد أن جرى اختيارها للترويج لـ"صفقة القرن" في ٢٥ يونيو/ حزيران ٢٠١٩ عبر ما أطلق عليه "ورشة عمل السلام من أجل الازدهار بهدفِ التشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية" (٩).

ولعل خلاصة ذلك تشي بمحاولة أمريكية ترتكز على إعادة رسم الخارطة الجيوسياسة في المنطقة، وهو ما يتحقق بالدفع تجاه المزيد من العداء مع إيران، والمزيد من التقارب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وربما يأتي الإذعان الخليجي خشية طرح أمريكي مستقبلي بترك الخليج والتوجه نحو الشرق، فضلاً عن خشية حكام الخليج أنفسهم من المطالبة التاريخية للشعوب الخليجية بالإصلاح والديمقراطية، لهذا فهم يتجهون صوب حليف استراتيجي لا يتغير بتغير الحكومات ورؤسائها، ويحمل فكراً معادياً لحقوق الإنسان وهو ما يثبته التعامل اليومي مع الشعب الفلسطيني على أرضه المحتلة بحسب القرارات الدولية (١٠).

كما أنه لا يمكن إغفال تأثيرات السباق الرئاسي الأمريكي على المشهد التطبيعي اليوم، فلاشك بأن الرئيس دونالد ترامب يُهرول نحوه لتحقيق مكاسب انتخابية، وذلك في مقابل هرولة عبثية للحكومات الخليجية العامدة إلى تخريب موقف الشعوب العربية والإسلامية المُناضلة منذ بواكير القضية الفلسطينية، والماضية نحو تحقيق إرادة زائفة ومُضللة للشعب الفلسطيني، في إطار لعبة كُبرى لا يُمثلون فيها سوى أدوار دُمى!


* نائب بحريني سابق عن جمعية "الوفاق" المعارضة


مراجع:

(١) وكالة أنباء الإمارات تنشر خبر قيام محمد بن زايد آل نهيان بمشروع سمي " خطوة السلام التاريخية التى قامت بها دولة الإمارات تجاه إسرائيل" مؤكدا أنها ستسهم في دفع جهود عملية السلام وفتح آفاق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.

(٢) في ١٧ أغسطس /آب الرئيس الإسرائيلي يدعو محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي إلى زيارة القدس.

(٣) أخبار الخليج: جمعيات سياسية بحرينية ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني

(٤) مرآة البحرين - رئيس الحكومة ينفي تلقيه اتصالاً من رئيس المخابرات الإسرائيلية والوكالة الرسمية تتجاهل نشر النفي.

(٥) بي بي سي العربي - شركة إسرائيلية لبرمجيات التجسس تزعم أن بإمكانها المساعدة في مكافحة وباء كورونا.

(٦) بي بي سي العربي - التطبيع: ما الذي نعرفه حتى الآن عن اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل؟

(٧) قال رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الميجر جنرال محمد باقري الأحد (16 أغسطس/ آب)، إن نهج طهران تجاه الإمارات سيتغير بعد اتفاقها مع إسرائيل لتطبيع العلاقات فيما بينهما.

(٨) بي بي سي العربي تنشر مقال في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ( أقامت شركة واتساب المملوكة لشركة فيسبوك دعوى قضائية ضد مجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية، متهمة إياها بالوقوف وراء قرصنة إلكترونية استهدفت صحفيين وناشطين وشخصيات مجتمع مدني أخرى في دول، منها الإمارات العربية المتحدة والبحرين).

(٩) مؤتمر البحرين: هل هو المدخل لتمرير "صفقة القرن"؟

(١٠) أصدرت المنظمة الأممية في 11  ديسمبر/كانون الأول العام 1948 القرار رقم 194 وهو يؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض.