كيف صار البرلمان البحريني من مجلس ناضل الناس من أجله إلى مجلس يناضل الحكم من أجله؟

الملك حمد بن عيسى آل خليفة مستقبلا رئيس مجلس النواب فوزية زينل ورئيس مجلس الشورى علي الصالح - 25 أبريل 2020
الملك حمد بن عيسى آل خليفة مستقبلا رئيس مجلس النواب فوزية زينل ورئيس مجلس الشورى علي الصالح - 25 أبريل 2020

2020-09-11 - 11:12 ص

مرآة البحرين (خاص): قبل أيام قرر ملك البحرين نزع صلاحية هامشية لمجلس النواب، حينما حدد 10 نواب حداً أقصى للمشاركة في المناقشة العامة داخل المجلس، على أن لا تتجاوز المداخلات 5 دقائق للنائب الواحد.

كانت التعديلات التي أدخلها الملك بصورة منفردة على اللائحة الداخلية للمجلس صادمة للموالين الذين لازالوا يؤمنون بالمشاركة في البرلمان لإيصال صوتهم للحكومة، فيما تحولت إلى مادة للتندر لدى المعارضة التي كفرت بهذه التجربة منذ 9 أعوام وقررت الابتعاد عنها دون التفات للوراء، لكن كيف وصلنا إلى ما نحن عليه الآن؟

منذ الإعلان عن دستور 2002 بشكل منفرد، كانت السلطة التشريعية بغرفتيها (المعينة والمنتخبة) محل جدل وخلاف بين غالبية المواطنين والحكومة، حينها قررت المعارضة (متمثلة بالجمعيات الأربع الوفاق، وعد، العمل الإسلامي والتجمع القومي) مقاطعة الانتخابات رفضاً لدستور 2002 والصيغة التي خرج بها البرلمان إلى النور.

بعد 4 أعوام تقبلت المعارضة الأمر الواقع وقررت المشاركة في البرلمان من باب "دفع الضرر"، لكن دخولها لم يكن بالأمر السهل، واستمرت الوفاق التي شكلت أكبر كتلة نيابية في البرلمان حينها، في تلقي النقد اللاذع من جماهيرها لمشاركتها في برلمان كسيح لا يمتلك صلاحيات حقيقية، وينافسه مجلس معين بالصلاحيات الهامشية ذاتها.

حاولت الوفاق طوال 4 أعوام تقديم شيء ملموس لجماهيرها، لكنها فشلت لأن البرلمان تم هندسته بطريقة لا تمكّن أي جهة حتى وإن امتلكت أكبر كتلة نيابية، من تحقيق أي تقدم ملموس على الصعيد التشريعي أو حتى الخدماتي للمواطنين، حتى وصلنا إلى لحظة 2011، التي شهدت حينها  الطلاق البائن بين المعارضة والبرلمان الذي كان يشكل العنوان الأبرز لمشروع الملك "الإصلاحي".

لكن الموالاة من قيادات وجمهور، واصلت الإيمان بالبرلمان، وبإمكانية تحقيق شيء ما من خلاله، غير أن الصدمات الواحدة تلو الأخرى بينت لهم عكس ذلك، فمن بعد خروج المعارضة من البرلمان، تم تقليص صلاحيات النواب في الاستجواب، وصارت هناك لجنة تدعى "لجنة الجدية" تنظر في جدية الاستجواب من عدمه، وتحتاج إلى ثلثي الأصوات للعبور من الجدية إلى الاستجواب، وهو أمر أشبه بالمستحيل في أي برلمان في العالم.

وعلى الرغم من كل ذلك بقي الحُكم متوجساً من مشاركة مستقبلية للمعارضة، لذلك أقدم على حل جمعيتي الوفاق ووعد وهما أهم الجهات المعارضة وأكثرها شعبية في البلاد، وبعد ذلك قام بتمرير قانون عزل سياسي (أقره المجلس بغرفتيه المعينة والمنتخبة في 2018)، منع بموجبه أعضاء وقيادات الجمعيات السياسية التي تم حلها من المشاركة في الانتخابات، ووصل الأمر إلى حرمانهم من الترشح للأندية الرياضية.

ولأن الحكومة لا تكترث لأي من الموالين، أقدمت على فرض ضريبة القيمة المضافة رغماً عن أنف النواب الموالين، في أواخر عمر مجلس 2014، وهو ما أدى إلى نقمة من جمهور الموالاة على النواب وتغيير معظمهم بوجوه شابة ووعود جديدة.

نظمت الدولة انتخابات عام 2018، وطبقت قانون العزل السياسي الذي طال المعارضين، وأي شخص له علاقة تنظيمية وإن كانت قديمة بهم (منع شخص من الترشح للانتخابات لأنه كان عضواً في وعد واستقال منها منذ سنوات ولم يشفع له تبرؤه التام من المعارضة ورسالة استقالته القديمة من إعادة النظر في ترشحه)، واستمرت في امتلاكها الغرفة المعينة (مجلس الشورى) لكن كل هذه الضمانات لم تكن كافية للملك الذي قرر دق المسمار الأخير في نعش مشروعه الإصلاحي، بتقليص صلاحيات النواب في المناقشة العامة دون سبب وجيه.

لم يكن ملك البحرين يخشى البرلمان حين شاركت فيه المعارضة في 2006 و2010، كان منذ اليوم الأول ضمن من خلال توزيع الدوائر أغلبية مريحة ومضمونة للموالين له، وكان يمتلك حائط صد آخر يدعى مجلس الشورى، وهو بالطبع لم يعد يرى في المجلس الحالي - الذي لا يحق للمعارضة المشاركة فيه - مصدر تهديد أو قلق، لكنه على ما يبدو يفضل مجلساً صورياً لا يرتفع من خلاله أي صوت حتى وإن كان موالياً، إنه يرفض أن يرى نائباً يختلف معه في تفاصيل صغيرة وتافهة، هو يفضل برلماناً لا يجيد سوى التصفيق وحبذا أن يكون التصفيق صامتاً.