البحرين والانتخابات الأمريكية: الرهان على الحصان الخاسر ... مجدداً

جو بايدن يخلع كماما للوقاية من كورونا قبل إلقاء كلمة في مهرجان انتخابي بمدينة بريستول في ولاية بنسلفينيا - 24 أكتوبر 2020
جو بايدن يخلع كماما للوقاية من كورونا قبل إلقاء كلمة في مهرجان انتخابي بمدينة بريستول في ولاية بنسلفينيا - 24 أكتوبر 2020

2020-11-01 - 4:38 ص

مرآة البحرين (خاص): يحبس الملايين حول العالم أنفاسهم بانتظار الثلاثاء القادم، موعد الانتخابات الأمريكية التي تبدو مفصلية هذه المرة، في سباقٍ محموم يملك فيه المرشح الديمقراطي جو بايدن أفضلية (لكن طفيفة) على ساكن البيت الأبيض دونالد ترامب، الذي يبدو متراجعاً في معظم استطلاعات الرأي الأمريكية.

وكما كل الانتخابات الأمريكية، تحاول دول الخليج (كما غيرها من الدول) عبر لوبياتها وتبرعاتها المالية "غير المباشرة" وأذرعها الإعلامية، دعم مرشحٍ ما للرئاسة، وفي حال فوزه سيعني ذلك دعماً لأجندتهم من قبل الدولة العظمى والأكثر تأثيراً في العالم لأربعة أعوام مقبلة.

لكن الانقسام الخليجي الحاد أدى إلى تباين في الآراء التي انقسمت إلى ثلاثة:

الرأي الأول يعتبر بقاء ترامب ضرورياً نظراً للاستثمارات الضخمة التي تمت خلال تواجده في البيت الأبيض (تم ضخ مليارات الدولارات في مشاريع ومشتريات أسلحة أمريكية لقاء دعم وحماية وغطاء سياسي لأجندتهم) والتي انعكست بالفائدة عليهم وعززت مواقعهم في المنطقة والإقليم وهذه الدول هي السعودية، الإمارات... والبحرين طبعاً (دعم ترامب الدول الثلاث في نزاعها ضد قطر التي اتهمها بدعم الإرهاب، وهو ما اضطر قطر لاحقاً إلى استثمار عشرات المليارات في الولايات المتحدة لخلق توازن في البيت الأبيض لمقاربة ملف الخلاف الخليجي).

الرأي الثاني يفضل قدوم بايدن إلى البيت الأبيض من أجل إعادة بعض التوازن للسياسة الدولية الأمريكية، وهو الرأي الذي تتبناه قطر ومن خلفها تركيا وإيران الباحثون عن كبح جماح السعودية والإمارات في المنطقة (على الرغم من انتقادات بايدن لأردوغان ووصفه بالديكتاتور).

الرأي الثالث يفضل مجيء بايدن من أجل إزالة أية أفضلية غير مستحقة للسعودية والإمارات في المنطقة، ولكن لن تتضرر مصالحه أو يشعر بضعف إقليمي في حال بقاء ترامب، وهو الرأي الذي تتبناه سلطنة عمان والكويت، وهما الدولتان اللتان نجحتا حتى الآن في عدم التورط في الأزمة الخليجية وإن كانتا بشكل غير مباشر مصدر دعم لقطر في قبالة الآخرين.

قبل أربعة أعوام تحمست البحرين وقررت دعم هيلاري كلينتون، وكشفت وثائق سربت من وزارة الخارجية الأمريكية حينها، عن تبرع ولي عهد البحرين سلمان بن حمد بمبلغ 32 مليون دولار لمؤسسة كلينتون إبان شغلها منصب وزير الخارجية في إدارة أوباما، وكيف أن تلك الأموال أعقبتها لقاءات مع كلينتون وزيادة في مبيعات الأسلحة للبحرين، التي كانت تقمع بشكل شرس الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.

وفي أغسطس 2016 هنأ ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة هيلاري كلينتون لقبولها ترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة، في خطوة نادرة، تجاوز فيها البروتوكولات الدبلوماسية المعمول بها، وما رافق تلك المرحلة من تقارير تشير إلى نشاط اللوبي السعودي في دعم المرشحة الديمقراطية في قبالة ترامب.

راهنت البحرين كما السعودية على حصان خاسر. فاز ترامب، وانهال عليهم بالإهانات، لكنهم فهموا سريعاً ما عليهم فعله لتجنب مزيد من الضغوطات، سارعت دول الخليج (أولهم البحرين بعد أسبوعين من فوز ترامب فقط) إلى حجز فندق يملكه الرئيس الأمريكي الجديد في واشنطن، لإقامة الفعاليات الخاصة بالسفارات، في محاولة لتملقه والتقرب منه.

غادر محمد بن سلمان، محمد بن زايد وسلمان بن حمد إلى واشنطن في فترات مختلفة للقاء ترامب وتقديم فروض الطاعة له. أبرمت البحرين في فترة قياسية (أسبوعين فقط) عقوداً بثمانية مليارات دولار (لاحقاً أبرمت عقود أخرى)، السعودية أعدت لترامب صفقات تاريخية قدرت بـ 100 مليار دولار، وكذلك فعلت الإمارات، في المقابل أعطى ترامب دعماً مهما لهذه الدول، واختار أن تكون محطته الأولى الخارجية كرئيس للولايات المتحدة (السعودية)، وهو ما يعني دعماً كبيراً للمملكة الخليجية الغنية بالنفط.

بعد يوم واحد من أول لقاء جمع ملك البحرين بترامب (على هامش زيارته للرياض)، أقدمت قوات حكومية على اقتحام بلدة الدراز، وقتلت 5 مواطنين كانوا متواجدين عند منزل الزعيم الروحي للطائفة الشيعية آية الله الشيخ عيسى قاسم، الذي تم اقتحام منزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

كانت العلاقة بين ترامب وحكام الخليج علاقة ابتزاز واضحة، لا تحتاج شروحاً إضافية، لكن حكام الخليج مقابل قبولهم للابتزاز حاولوا تمرير مشاريعهم، وسجلوا نجاحاً كبيراً في ملفي إيران وقطر تحديداً، واستمرار حربهم في اليمن.

لكن ترامب سيستمر في ابتزازهم حتى آخر فترات حكمه، وهو ما حصل في ملف التطبيع مع إسرائيل. ترامب الباحث عن إنجازات أرغم الإمارات والبحرين في تقديم هدية انتخابية مجانية له، وإن لم يحصل على ما كان يأمل من وراء تلك الخطوة انتخابياً.

كما توقع كثيرون فإن التطبيع مع إسرائيل لم يكن بالأمر الهام للناخب الأمريكي. هو حدث بالكاد تمت تغطيته من قبل الصحف ووسائل الإعلام المحلية الأمريكية، أما الناخب الأمريكي فلم يظهر اكتراثاً بالأمر على الإطلاق (خلت استطلاعات الرأي الأمريكية من ملف "السلام في الشرق الأوسط" أو "العلاقات مع إسرائيل"، وحتى الآن ونحن على بعد 3 أيام من موعد الانتخابات، فإن جميع استطلاعات الرأي تظهر تقدماً كبيراً لبايدن على ترامب، حتى تلك الاستطلاعات التي تجريها شبكة فوكس الإخبارية التابعة لليمين الأمريكي.

يبدو أن البحرين قررت مرة أخرى الرهان على الحصان الخاسر. صحيح إن بايدن رجل سياسة تقليدي وفوزه لن يؤدي إلى توتر علاقات واشنطن مع الحلفاء، لكنه بالتأكيد سيعيد اهتمام واشنطن بملف حقوق الإنسان الذي أهمله ترامب، وهو ما قد يترجم ضغطاً على الدول التي تعاني من سجل حقوقي سيء أمثال السعودية والبحرين والإمارات، كما سيعني فوز بايدن أيضاً أن حل ملفات معقدة مثل النزاع الخليجي والنووي الإيراني لن يكون إلا بالحوار والتوافق.


مواضيع ذات صلة