كريستين سميث ديوان: وفاة رئيس الوزراء البحريني تدعم مصلحًا، لكنها قد لا تدعم الإصلاح

ولي عهد البحرين مع نظيره الإماراتي (أرشيف)
ولي عهد البحرين مع نظيره الإماراتي (أرشيف)

كريستين سميث ديوان - موقع معهد دول الخليج العربية في واشنطن - 2020-11-23 - 11:11 م

ترجمة مرآة البحرين

ترسم وفاة رئيس وزراء البحرين نهاية عهد تاريخي، على الأقل عند قياس المدة الزمنية: عند وفاته، كان خليفة بن سلمان هو أطول رئيس وزراء خدمة في العالم. ويثير استبداله السريع بالإبن الأكبر للملك، ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وهو أكثر تكنوقراطية ويمكن الوصول إليه من قبل المعارضة الشيعية، ترقبًا لانفتاح سياسي. لكن في الحقيقة، كانت سلطة رئيس الوزراء الجامح تتضاءل بالفعل لصالح كل من منافسه الإصلاحي، ولي العهد، والفصيل الحاكم الأكثر تشددًا والمقرّب من الملك والمتمركز في الديوان الملكي وجهاز أمن الدولة. ومن المرجح أن تظل أولوية هذين المعسكرين - الأمن المالي وأمن الدولة في البحرين تباعًا - على رأس جدول أعمال البلاد.

مع ذلك، قد يوفر ترسيخ سلطة ولي العهد الذي طال انتظاره على الحكومة، إلى جانب ترقيته الأخيرة على فصيل الخوالد الأكثر طائفية وتشددًا من عائلة آل خليفة الحاكمة، مرونة أكبر في إدارة الملف السياسي. في الواقع، قد يجد ولي العهد، الذي يواجه الآن مأزق تنفيذ تدابير التقشف الحكومية، في الوقت المناسب تسوية سياسية ضرورية بينما يسعى للحفاظ على الدعم الشعبي.

نهاية العهد الطويل لخليفة بن سلمان

دامت ولاية خليفة بن سلمان على رأس الحكومة لمدة 50 عامًا، وطالت في معظم فترة وجود البحرين كدولة مستقلة. عند وفاته، أشادت به الصحف الحكومية كمهندس للبحرين الحديثة: زعيم حكيم عاش من أجل الشعب ورجل دولة طوَّر العلاقات مع العالم وركيزة دعم لمجتمع المغتربين. كانت وسائل الإعلام المعارضة خارج البحرين أقل تسامحًا، إذ أشارت إلى اعتماده الطويل على قانون أمن الدولة وسمعته في الفساد. وقد بنى نهجه في سياسات البيع بالتجزئة الوصول إلى أراضي الدولة والمحسوبية وتم تداوله على أساس العلاقات الشخصية التي أثرت حلفائه التجاريين، من السنة والشيعة على حد سواء، وكذلك عليه نفسه.

كان هذا الفساد هو الذي أثار حفيظة المعارضة البحرينية المتشددة في العام 2011، فطالبت علنًا بالإطاحة به، ونظمت احتجاجات في مرفأ البحرين المالي حيث اتهمت خليفة بن سلمان بالحصول على أرض مستصلحة حديثًا مقابل دفع  دينار بحريني واحد [كثمن للأرض]. كما دعا المعسكر الإصلاحي إلى إقالته كجزء من انتقال أوسع إلى رئيس منتخب للحكومة. ومع ذلك، صمد رئيس الوزراء في النهاية، مستفيدًا من علاقاته الشخصية بالطائفة السنية وعلاقاته بالحكام السعوديين. أدى قيام السنة بحركة مضادة لا سابقة لها، وهي نشر قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية، والقوة الوحشية، إلى تراجع الانتفاضة السياسية.

لكن المستفيد السياسي الرئيس من هذه الحملة لم يكن رئيس الوزراء. جماعة الخوالد، وهي فصيل حاكم آخر، ذات نهج أكثر طائفية بشكل صارخ وملتزم بتهميش الشيعة، زاد نفوذها مع تزايد أهمية الدولة الأمنية. بدأ الحلفاء السياسيون لرئيس الوزراء يجدون أنفسهم أيتامًا، في حين بدا الأبناء والأحفاد ضعفاء في مناصبهم العامة. بحثًا عن أهمية في سنواته الأخيرة، سعى خليفة بن سلمان إلى الدعم السياسي من مناطق أبعد، وأرسل تهاني في شهر رمضان إلى أمير قطر وتبادل الزيارات مع رجل دين شيعي بارز يسعى إلى التوسط بين المجتمع الشيعي والحكومة. قد تكون هذه الأعمال قد أشارت إلى عدم الارتياح للسياسة المتطرفة التي مارسها قادة الخليج الشباب، والتي طغت على نهجه الأكثر تقليدية في سنواته الأخيرة، لكنها لم توقف بشكل ملحوظ نفوذه المتدهور.

ازدياد نفوذ أبناء العائلة المالكة

 الرجل الذي يأخذ مكان خليفة بن سلمان على رأس الحكومة هو في بعض النواحي رائد لسياسات الجيل الجديد. تبدو أجندة ولي العهد -مناصرة خطة الرؤية الاقتصادية 2030 للبحرين للتنويع الاقتصادي مع جذبه إلى جانبه الشباب البحريني اللامع المتحمس للتغيير- وكأنه ترشح مبكر للأجندات القومية التي روّج لها فيما بعد جيران مثل ولي العهد محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية. كان برنامج سلمان بن حمد معقدًا بسبب ضرورة دمج الغالبية الشيعية، البارزة في العمل والقطاع الخاص، في برنامجه الإصلاحي. في حين أنه من دون شك قدم هذا المشروع، إلا أنه تم إحباطه في النهاية بسبب المطالب السياسية المتلازمة للشيعة، والنهج الأكثر طائفية لعدد من أفراد عائلته.

عانت ثرواته السياسية إلى جانب ثروات خليفة بن سلمان في العام 2011. لكن بخلاف رئيس الوزراء، شهد سلمان بن حمد نهضة سياسية. في العام 2013، عيّنه والده نائبًا أول لرئيس الوزراء، ما جعله يتولى رئاسة الوزراء. سمحت له عملية إعادة التأهيل هذه باستئناف قيادته للمحفظة الاقتصادية، التي كانت تشغل باله منذ أن تولى والده السلطة في العام 1999. وخلال تلك السنوات السابقة، بنى مؤسسات موازية مثل مجلس التنمية الاقتصادية، وحكومة الظل للالتفاف على تعنت رئيس الوزراء، عمه، وإفشال قبضته على السياسة العامة.

تُرَسخ وفاة خليفة بن سلمان سلطة ولي العهد على المحفظة الاقتصادية. لكن سلمان بن حمد اكتسب أيضًا نفوذًا في الملف الأمني ​​وعلى خصومه المتشددين في الائتلاف الحاكم أيضًا. يأتي ذلك في الوقت الذي يتخذ فيه الملك حمد بن عيسى آل خليفة تدابير لجذب أجنحة السلطة إلى ذريته. في يناير / كانون الثاني، أنشأ الملك لجنة تنفيذية عليا لمجلس الدفاع الأعلى. عيّن نجليه سلمان وناصر كرئيس ومقرر للّجنة على التوالي، ووضعهما في خطوط واضحة للسلطة على المجلس، الذي يضم في عضويته المسؤولين الثلاثة الذين يشكلون الخوالد. يوسع هذا الاعتمادات الأمنية لولي العهد، الذي هو بالفعل نائب القائد الأعلى لقوة دفاع البحرين. في أكتوبر / تشرين الأول 2019، عين الملك حمد ناصر بن حمد آل خليفة، الأخ الأصغر غير الشقيق لولي العهد، مستشارًا للأمن القومي. الأخ الشقيق الشهير لناصر بن حمد، خالد بن حمد آل خليفة، هو أيضًا ضابط عسكري ويشغل مناصب في الرياضة، ما يوفر منبرًا للوصول إلى الشباب البحريني.

أجندة المستقبل

من خلال وفاة [سلفه] وتسميته [رئيسًا للوزراء]، تفوق ولي العهد على منافسيه السابقين في الديوان الملكي. وفي حين قد يبدو امتلاك هذا الإصلاحي لسلطة أكبر  طريقًا إلى انفتاح سياسي أكبر، فإن ذلك سيكون بمثابة قراءة خاطئة للّحظة السياسية الحالية. جاءت إعادة تأهيل ولي العهد جنبًا إلى جنب مع الحقائق السياسية الجديدة. أصبحت البحرين الآن أكثر اعتمادًا على جيرانها الخليجيين، أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في كل من احتياجاتها المالية والأمنية. وفي المقابل، اتبعت عائلة آل خليفة الحاكمة مسارًا سياسيًا مختلفًا في الداخل، ما أدى إلى حلّ الجمعيات السياسية المعارضة التي كانت ذات شعبية كبيرة، مثل جمعية الوفاق الشيعية. ويقضي الأمين العام لجمعية الوفاق، [الشيخ] علي سلمان، حاليًا حكمًا بالسجن مدى الحياة، حيث يُحاكَم بموجب اتهامات جديدة بالخيانة عُبِّئت للإشارة إلى تضامن البحرين مع الدول الثلاث الأخرى المقاطعة لقطر: السعودية والإمارات ومصر. كما هُمِّشَت جماعة الإخوان المسلمين سياسيًا احترامًا للحملة السياسية الإماراتية، والسعودية المتزايدة، التي تُشَوّه سمعة هذه الحركة السياسية السنية. ونظرًا لكون الجمعيات السياسية، التي كانت التيارات الإسلامية الشيعية والسنية تسيطر عليها، قد حُلّت أو قُلّصت، فقد استُبدِلَت بالمستقلين السياسيين والموالين الذين لا يظهرون أي معارضة للقيادة البحرينية. واليوم، تم اختيار البرلمان البحريني المنتخب بعناية لرفع تمثيل النساء والشباب المدافعين عن القضايا الاجتماعية؛ ويأتي التلميح الوحيد للمعارضة السياسية من خلال جمعية سياسية يسارية صغيرة بقيادة نائب رئيس البرلمان، تُرَكِّز على القضايا الاقتصادية وتضبط انتقاداتها بعناية.

من المرجح أن تكون الحقيبة الاقتصادية هي أولوية الحكومة للمُضي قدمًا. تفاقمت التحديات الكبيرة التي تواجهها البحرين باعتبارها الدولة الخليجية الأقل حظًا في بيئة نفطية متدهورة بسبب جائحة الكورونا. كانت البحرين تدير مشاكل الميزانية الهيكلية من خلال الدعم الشعبي القوي من حلفائها الخليجيين بشكل حزمة مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار. ردًّا على ذلك، طالب الحلفاء الخليجيون البحرين بمزيد من الانضباط المالي، والذي التزمت به الحكومة من خلال برنامج التوازن المالي. حقّقت البحرين بعض النجاحات في هذا الصدد: قيادة دول الخليج في إصلاحات العمل وإعادة هيكلة الحكومة لخفض النفقات وزيادة الإيرادات الجديدة. ومع ذلك، لا تزال المملكة تواجه خطرًا ماليًا. يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا بنسبة 4.9 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي، مع ارتفاع العجز المالي في البحرين إلى 15.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. حتى مع المساعدات الخليجية الكبيرة، لجأت البحرين إلى سوق الدين مرتين في العام 2020، حيث أصدرت سندات بقيمة ملياري دولار في مايو / أيار وسبتمبر / أيلول. تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البحرين أكثر من 100 بالمائة، ما دفع وكالات التصنيف مثل وكالة فيتش إلى خفض التصنيف الائتماني للبحرين. كل هذا يشير إلى مزيد من التقشف المالي في مستقبل البحرين. وفي حين كانت الحكومة تقدم الدعم للقطاع الخاص خلال الجائحة، قامت أيضًا بتخفيضات شاملة في الميزانية بنسبة 30 بالمائة وإصلاح التأمين الاجتماعي لإنهاء الزيادة السنوية في المعاشات التقاعدية. ومن غير المرجح أن يؤدي تولي ولي العهد منصب رئيس الوزراء في فترة التقشف إلى زيادة شعبيته لدى الجمهور. ستأتي الضغوط من موظفي الخدمة المدنية وكذلك مجتمع الأعمال، الذين سعوا في كثير من الأحيان إلى تدخل خليفة بن سلمان لإحباط إصلاحات العمل. وبالتالي، في حين يجب أن يحمي دمج مكتب رئيس الوزراء مع منصب الوريث الظاهر سلمان بن حمد من النقد البرلماني، إلا أنه ينطوي على بعض المخاطر السياسية. قد تؤدي هذه الديناميكية، مع مرور الوقت، إلى الضغط على ولي العهد من أجل تسوية سياسية مع فرض رسوم وضرائب أعلى على الجمهور. وينطبق هذا بشكل خاص على المجتمع الشيعي، الذي يكون أقل عزلًا عن التقلبات الاقتصادية، ويعتمد أكثر على القطاع الخاص.

لا تنذر ترقية ولي العهد إلى منصب رئيس الحكومة بأي تحول سياسي فوري من استراتيجية عكست أولويات كل من الجناحين الأمني ​​والسياسي للعائلة الحاكمة ووضعتها في مكانة جيدة مع شركائها الإقليميين. ومع ذلك، فإن وجود قيادة ذات عقلية إصلاحية يوفر الأمل في أنه مع تزايد المطالب الاقتصادية وتزايد التوترات السياسية، قد يُنظر إلى الحوار السياسي  مرة أخرى على أنه الحل.

 

النص الأصلي