ما هي قصة الجيش الإلكتروني البحريني؟ الامتحان الأول لولي العهد رئيساً الوزراء
2020-11-30 - 1:46 م
مرآة البحرين (خاص): في العام 2019 نشر الموظف في إدارة الجرائم الإلكترونية، عبدالعزيز مطر، مقالة على صفحته في "تويتر" دعا فيها إلى إنشاء جيش إلكتروني للدفاع عن البحرين. وراح يعدد مزايا هذا الجيش وأهدافه وكيفية عمله لافتاً إلى أنّ جنوده متوافرون ولا ينتظرون إلا السماح لهم وإشارة العمل.
كان للتوّ قد أخرج من الحبس بعد أن اتهم وآخرون بإدارة حساب "نائب تائب" الذي تخصص في مهاجمة رئيس الوزراء الراحل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة لصالح جناح آخر منافس له في العائلة. طوال الفترة التي أعقبت إطلاق سراحه كان يلمّح في الكثير من تدويناته إلى أنه وفريقه لم يعودوا طليقي اليد في ممارسة هوايتهم المفضلة على وسائل التواصل الاجتماعي لما يعتبرونه "تصد للهجمات الإعلامية والإلكترونية ضد الوطن".
لكن ليس بعد اليوم!
وعلى ما هو بادٍ فإن الجهة التي كانت تكفّ أيديهم عادت وأطلقتهم. لقد شيع "نائب تائب" رمزياً لكن ليس إلى القبر إنما كي يحل مكانه رمز آخر بمسمى جديد هو "الجيش الإلكتروني البحريني". "الحمد لله، أخيرا الحلم صار حقيقة... الجيش الإلكتروني البحريني"، هكذا راح يبشرنا المحرر حذيفة إبراهيم، الموظف في صحيفة "الوطن" البحرينية المملوكة لجناح الحكم المنافس الذي عمل لأجله فريق "نائب تائب" قبل أن يقوم بتبرئتهم جميعهم ملقياً اللوم على جهات معارضة في الخارج.
في فيديو مصوّر بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يخبرنا المذيع السابق في تلفزيون البحرين، محمد البشري، وهو أحد المتهمين أيضاً في فريق "نائب تائب" المزيد عن خفايا هذا الجيش قبل أسابيع من إنشائه والذي هو بحسب تعبيره "جيوش إلكترونية متعددة وليس جيشاً واحداً". وراح شارحا: "جيوش للمتابعة والرصد الإعلامي، جيوش للتغريدات والتعليق، جيوش من الكتاب والمحررين وصناع الخبر، جيوش للاختراق والتجنيد والجذب، جيوش للوقاية ورسم الخطط والمناهج، جيوش من الطواقم الفنية المؤهلة والداعمة"، مضيفاً "يكون كل ذلك وفق آلية تأهيل وتدريب مهني بأهداف استراتيجية أبعد بكثير من ردات الفعل".
هكذا إذن فنحن أمام إعادة إخراج لفريق "نائب تائب" بعد أن أمر شخص ما (؟) بإطلاق يده المحجورة. فـ"الجيش الإلكتروني البحريني" ما هو إلا "نائب تائب" مع تعديلات طفيفة. الوجوه هم هم. الجهة نفسها نفسها. اللغة المستخدمة هي هي. لكن على عكس ما يتم تصويره من أن الغرض من إنشاء هذا الجيش هو "الدفاع عن البحرين وفق آلية منهجية مهنية وبروح وطنية صادقة" كما جاء في بيان التأسيس الأول. فالغرض الحقيقي لا يعدو أن يكون استجابة لتحديات جديدة ارتأتها الأجنحة المتنافسة في العائلة الحاكمة لمواجهة بعضها البعض.
فقد مات رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان الذي شكلت مهاجمته بنك الأهداف الأول لفريق "نائب تائب" وجاء خلف له هو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. وليس صدفة أن هذا الجيش الإلكتروني المزعوم يتم إطلاقه فيما لم يكن قد مر أسبوعان فقط على بداية عهده.
لقد سيق العشرات من المغردين طوال الأعوام الماضية إلى التحقيق في إدارة الجرائم الإلكترونية وتم إلصاق تهم ملفقة لهم مثل "إنشاء خلايا إرهابية" لمجرد مشاركتهم في مجموعات نقاشية في "واتس اب" مثل "قروب البسطة". لكن أمام فريق من الصبية يقول إنه أنشأ "جيشاً إلكترونياً" للدفاع عن البحرين موازياً لجيش البحرين النظامي تقف إدارة الجرائم الإلكترونية صامتة. وهو أمر يشي بالكثير حول ما ينتظر رئيس الوزراء الجديد في عهده الذي تمّ تدشينه للتوّ.
وفي الحقيقة إن أمامه مثالين خليجيين لكيفية عمل هذا النوع من الجيوش الإلكترونية التي يطلق عليها أيضاً "الذبّان الإلكتروني". الفريق الذي أداره سعود القحطاني مستشار الديوان الملكي في السعودية، والفريق الذي أداره عذبي فهد الأحمد الصباح رئيس جهاز أمن الدولة السابق في الكويت تحت مسمى "قروب الفنطاس".
تخصص فريق القحطاني بملاحقة منتقدي الحكومة السعودية والتحريض عليهم بحث المغردين على تصنيفهم تحت ما عرف بهاشتاق "القائمة السوداء" ثم انتهى نهاية مشئومة مع الفضيحة المدوية التي أعقبت اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي. أما الفريق الثاني فقد بدأ عمله بالحديث عن مؤامرة تُحاك على الكويت لقلب نظام الحكم فيها وفساد القضاء وتسريب فيديوهات لمسئولين في الدولة قبل أن يتحول الأمر إلى فوضى عميمة وتتضح الجهة التي تقف وراءه وهم ثلاثة من العائلة الحاكمة كانوا هم أنفسهم الطامعين في الحكم.
لقد دفعت السعودية ثمناً كبيراً لمغامرة القحطاني. وعلى مدى أشهر كان وسم "القائمة السوداء" الذي أطلقه لملاحقة المغردين مادة دسمة لدى الصحافة الغربية في مهاجمة السعودية وكأدلة إضافية على تورط مسئولين في الدولة في قتل خاشقجي. لكن في الحالة الثانية فقد وضع الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت السابق حداً لمغامرة بعض أفراد عائلته وأمر بمحاكمتهم وصدرت في حقهم أحكام بالسجن باتّة.
يستطيع رئيس الوزراء الجديد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أن يستفيد الكثير من هاتين التجربتين في كيفية التعامل مع فريق "نائب تائب" العائد في حلة "الجيش الإلكتروني البحريني" بشكل مبكّر، أو يترك الحبل على الغارب لحسابات عائليّة ضيقة وينتهي الحال به أمام "دولة داخل الدولة". على أنّ عليه أن يعلم بشكل لن يطول الوقت كثيرا قبل أن يبدأ باستشعاره، أنه هو نفسه بنك الأهداف الثاني لهذا الجيش الإلكتروني بعد موت عمه رئيس الوزراء!