الواشنطن بوست: يومَ ذاقَت البحرين طعم الحرية

احتشاد البحرينيين في دوار اللؤلؤة في المنامة في انتفاضة الرابع عشر من فبراير 2011 (أرشيف)
احتشاد البحرينيين في دوار اللؤلؤة في المنامة في انتفاضة الرابع عشر من فبراير 2011 (أرشيف)

سيد أحمد الوداعي - صحيفة الواشنطن بوست - 2021-03-02 - 8:56 م

ترجمة مرآة البحرين

في كل مرة أنظر فيها في المرآة، تُذَكرني ندبة مائلة على جبهتي بالليلة التي غيّرت حياتي إلى الأبد. وعندما أُمَرر أصابعي عليها، أراني مُحاطًا بالأعلام الحمراء والبيضاء وأسمع آلاف الأصوات تطالب بالحرية. أشم رائحة الغاز المسيل للدموع وأشعر بالألم الحاد الذي سبّبته أحذية رجال الشرطة في رأسي.

نُقِشَت أحداث الربيع العربي في البحرين، والتي بدأت قبل 10 سنوات من هذا الشهر، في ذاكرتي. أثناء نظري إلى جماهير الأشخاص المبتسمين الذين يتظاهرون معًا، تذوقتُ للمرة الأولى طعم الحرية. قدّرت صحيفة النيويورك تايمز أن حوالي  مائة ألف شخص شاركوا في الاحتجاجات (من بين السكان المواطنين الذين يزيد عددهم قليلًا عن  500000 شخص). ومع احتفال الحشود في القاهرة وتونس بالنّصر، شعرت كأنّ رياح التغيير تهب كذلك أخيرًا في البحرين.

لن يدوم هذا الشعور. في 14 فبراير / شباط 2011 ، خسِرَت انتفاضة البحرين أول ضحاياها. والقتل الوحشي لعلي مشيمع البالغ من العمر 21 عامًا، برصاصة في ظهره عندما فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين السلميين، صدم الأمة. سرتُ في موكب جنازته، بين آلاف المعزين، إلى دوار اللؤلؤة في المنامة، المركز الرمزي لانتفاضة البحرين.

ومع تحوّل مطالب الإصلاح الديمقراطي إلى دعوات لإنهاء النظام الملكي لآل خليفة، وعمره 200 عام، استخدَمت الحكومة الجيش ضد شعبها. كنت من بين الآلاف الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب. قُتِلَ عدد من الشخصيات البحرينية البارزة في الحجز. في الأيام الأخيرة للانتفاضة،  كشف حكام البحرين عن الوحشية الحقيقية لنظامهم.

منذ الانتفاضة، قُمِعت، بلا رحمة، أي آثار للمشاعر المؤيدة للديمقراطية في البحرين. وتُعتَبَر التجمعات غير المُرخصة لأكثر من خمسة أشخاص غير قانونية بموجب القانون البحريني، وحتى يمكن للنقد الخفيف اللهجة المُوَجه للحكومة أنْ يؤدي بالمرء إلى السجن. حُظِرت وسائل الإعلام كلها، والجمعيات السياسية المعارضة، في حين ظلّ القادة الشّجعان للانتفاضة مثل عبد الجليل السنكيس وعبد الوهاب حسين خلف القضبان، وهو إنذار لأي بحريني يجرؤ على الحلم بالحرية.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال حكام البحرين مرعوبين من شعبهم وقد بذلوا قصارى جهدهم لمنع أي شخص من إحياء الذكرى العاشرة للربيع العربي. منذ 7 فبراير / شباط، اعتقلت البحرين ما لا يقل عن 15 طفلًا لانضمامهم إلى الاحتجاجات. وقضى أحد أصغرهم عيد ميلاده الثاني عشر في السجن. أخبرني هؤلاء الأطفال وأولياء أمورهم أنهم تعرضوا للضرب والتهديد بالاغتصاب والصعق بالكهرباء لإجبارهم على توقيع الاعترافات.

كما سُجن والد علي مشيمع، عبد الهادي البالغ من العمر 57 عامًا، الأسبوع الماضي بعد إدانته على خلفية حضور احتجاج في العام 2019. وفي حين لم يُقَدّم قتلة ابنه إلى العدالة، واجه عبد الهادي سنوات من المضايقات من القضاء الفاسد في البحرين. من الواضح أن توقيت إدانته، بعد أيام فقط من ذكرى مقتل ابنه، ليس من قبيل الصدفة.

هذا القمع اعتراف بالضعف، وليس استعراضًا للقوة. لطالما دُعِمَ النظام الملكي في البحرين من قبل جيرانه الخليجيين الأثرياء، وأصدقائه الأقوياء في واشنطن ولندن. وفي مذكراته بعنوان "الأرض الموعودة"، كتب باراك أوباما أنّه من شأن دعم انتفاضة البحرين في عام 2011 "المخاطرة بموقعنا الاستراتيجي في الشرق الأوسط".

ازداد وضوح هذا التأثير الخبيث بشكل خاص في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي لم يُخْفِ حماسه للاستبداد. وفي لقائه الأول مع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في العام 2017، أوضح ترامب أن حقوق الإنسان لم تعد ذات أهمية. بعده بأيام، داهمت الشرطة البحرينية اعتصامًا سلميًا في قرية الدراز، وأطلقت النار على المحتجين، ما أسفر عن مقتل خمسة اشخاص في أسوأ عمل عنف سياسي في البحرين منذ الانتفاضة. وشكّل ذلك بداية حملة قمع شرسة مستمرة حتى يومنا هذا.

هل سيتبع الرئيس بايدن مسارًا مختلفًا؟ العلامات المبكرة توحي بذلك. في الأسابيع الأولى له في منصبه، اتخذ موقفًا قويًا من الخليج، حيث جمّد مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، منهيًا تورط الولايات المتحدة في الحرب في اليمن، والتزم بـ "الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".

بسجن الأطفال وتهديدهم بالتعذيب، يُظهر النظام البحريني لشعبه أنه لن يتسامح مع المعارضة - كاشفًا عن وجهه الحقيقي للعالم. فإذعان الإدارات الأمريكية المتعاقبة علّم الحكومة البحرينية أنه لا داعي للخوف من التداعيات. حان الوقت لأنْ يضعَ بايدن الجغرافيا السياسية جانبًا ويترك لشعب البحرين تقرير مستقبله.

النص الأصلي