إميل نخلة: كيف سيرد النشطاء السعوديون المطالبون بالإصلاح على موقف بايدن من محمد بن سلمان؟

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (أرشيف)
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (أرشيف)

إميل نخلة - موقع responsiblestatecraft الأمريكي - 2021-03-18 - 6:29 ص

ترجمة مرآة البحرين

هادفًا إلى تجنب قطع العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، امتنع الرئيس الأمريكي بايدن عن إدراج محمد بن سلمان على قائمة السعوديين الخاضعين للعقوبات بعد أن نُشِر تقرير مدير المخابرات الوطنية الشهر الماضي، والذي توصّل إلى أن وليّ العهد أذِن بقتل جمال خاشقجي في أكتوبر / تشرين الأول 2018. هنا، في الولايات المتحدة، انتقد النّشطاء من أجل الديمقراطية قرار بايدن، لكن ما هي الرسالة التي تحملها هذه السياسة إلى نظرائهم وسجناء الرأي في المملكة العربية السعودية والأنظمة الاستبدادية المجاورة؟ يتساءل المدافعون عن حقوق الإنسان أنّه ما فائدة مثل هذه المعارضة إنْ لم يكن ممكنًا تحميل المستبدين مسؤولية قمعهم للمعارضة السلمية؟

قالت الإدارة الأمريكية إنّه بإمكانها استخدام وسائل اقتصادية وسياسية وأمنية أخرى لخفض مكانة ولي العهد وتقييد  قدرته على الاتصال المباشر بالبيت الأبيض متى يرغب بذلك، كما فعل في عهد ترامب. وأوضح بايدن أنّ إدارته ستتعامل مع محمد بن سلمان بصفته فقط وزيرًا للدّفاع، وليس كوليّ للعهد أو ملكٍ مستقبلي، على الرغم من حقيقة أن محمد بن سلمان لا يزال الحاكم الفعلي للمملكة.

من وجهة نظر أمريكية، قد يكون هذا الموقف منطقيًا، لكنه يحمل رسالة خاطئة إلى المحتجين السلميين والمدافعين عن الديمقراطية في المملكة العربية السعودية وفي جميع أرجاء العالم العربي. إنهم الآن يتساءلون عن معنى عبارة "أمريكا عادت" التي قالها، في حال لم تحظَ حقوق الإنسان بمركز الصدارة في سياسته تجاه المملكة، ويقولون إن إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية ستكون زائفة إنْ اعتقد محمد بن سلمان أنه نجا بفعلته في قضية خاشقجي، وأنّ العلاقات المستقبلية مع واشنطن ستعود إلى العمل الآن كالمعتاد.

في الواقع، الصورة أكثر تعقيدًا من ذلك بأشواط. فقدَ محمد بن سلمان إمكانية التواصل الحر مع البيت الأبيض، ولم يعد بإمكانه الاعتماد على مستشار مقرب من الرئيس، كما كان الوضع مع جاريد كوشنر، لمساعدته في الوصول إلى الرئيس في أي لحظة. ووفقًا لما قاله سفير أمريكي سابق في المنطقة، فقد جعل ردّ بايدن على تقرير المخابرات محمد بن سلمان "منبوذًا بحكم الواقع"، كما يجب أن يكون.

لقد عامل محمد بن سلمان - وغيره من الحكام المستبدين العرب في هذا الصدد - شعوبهم كرعايا لا كمواطنين، متوقعين منهم إعلان الولاء لهم من دون امتلاك القدرة على محاسبتهم [الحكام].  ولطالما تذرع الحكام المستبدون بمبدأ "البيعة" الإسلامي / القبلي، لكنهم تجاهلوا الجزء الآخر من صيغة الحكم هذه، المتعلق بالشورى أو الشورى. على مدى قرون، استغل زعماء القبائل جزءًا من صيغة "البيعة" للحفاظ على سيطرة كاملة على شعوبهم. وبخلاف الحكام السعوديين السابقين، الذين تولى معظمهم العرش بموافقة كبار أعضاء العائلة المالكة وفقًا للتقاليد والطقوس المقبولة للخلافة، دفع محمد بن سلمان نفسه إلى رأس الحكم في السعودية من خلال السخاء المالي والاقتصادي وتكتيكات الإرهاب ضد المعارضين والمعارضين والمنتقدين داخل المراتب العليا من الأسرة، واستغل انعزال والده المريض لتعزيز سيطرته مستخدمًا وحدة الأمن الخاص الموالية له وما يسمى بقوات التدخل السريع، وطالب الشعب السعودي بالولاء الكامل له على الرغم من أنّه لم يصبح ملكًا بعد. بالإضافة إلى ذلك، استخدم محمد بن سلمان تقنيات متطورة وعملاء وحشيين لتتبع المعارضين واعتقالهم وقتلهم محليًا ودوليًا. ولجأ إلى وسائل الإعلام الحكومية والبروباغندا ليشيع لدى السعوديين فكرة أنّه يرمز إلى السيادة السعودية، وأنّ أيّ هجوم عليه يُشَكّل هجومًا على الدولة. وانتشر عناصر قوات التّدخل الخاصة التابعين له في عدد من البلدان لمطاردة المعارضين المعروفين لولي العهد.

ورسّخ محمد بن سلمان أيضًا الانطباع في المملكة العربية السعودية بأن هجماته الشرسة على المعارضين قُبِلَت، أو على الأقل تمّ تحمّلها من قبل بعض القادة الأجانب الأقوياء، بمن في ذلك الرئيس السابق ترامب. في الواقع، كان بعضهم مترددًا في توجيه انتقاد علني لأفعاله لاعتبارات اقتصادية أو أمنية أو جيوسياسية أو لاعتبارات تتعلق بمكافحة الإرهاب. فكلما أُبهِر محمد بن سلمان بدعم إدارة ترامب، ازداد نفوذه داخل المملكة العربية السعودية، وصارت أساليبه أكثر وحشية.

وكحاكم مُطلَق يسيطر بشكل كامل على الحياة السعودية، يُلَمّح محمد بن سلمان للجمهور السعودي بأن اعتراف واشنطن بتورطه في مقتل خاشقجي لن يُقَوّض موقع نفوذه في البلاد. ومن خلال الهروب من العقوبات، يبدو أن محمد بن سلمان يعتقد أنه عاجلًا أم آجلًا، سيتعين على إدارة بايدن التعامل معه بما يتجاوز حقيبة دفاعه. حتّى وسائل إعلامه المتملقة زعمت أنّ قرار بايدن بعدم معاقبته كان بمثابة "تبرئة" من تورطه في جريمة القتل.

 

على الرغم من أنّ استطلاعات الرأي العام السعودي والتقارير المتسلسلة أشارت إلى أن محمد بن سلمان يتمتع حاليًا بشعبية كبيرة بين الشباب السعودي، سيتوجب عليه أن يتعامل مع الفقر والبطالة المتزايدين بين هؤلاء الشباب أنفسهم. في الوقت الحالي، عزّز محمد بن سلمان للقومية السعودية المتشددة كسلاح لقمع هذه المطالب، وهو أمر قد ينجح على المدى القصير، لكن ليس على المدى الطويل.

ومع كون ملايين الشباب السعوديين عاطلين عن العمل أو يعملون بشكل جزئي، بدأ عدد من النشطاء المؤيدين للإصلاح بتسليط الضوء على الحاجة إلى الوظائف ومبادرات توظيف جديدة وريادة أعمال ناشئة. ويقول نشطاء إنّ عددًا من خريجي الجامعات السعوديين ما زالوا يعيشون في المنزل ويعتمدون على آبائهم في الدعم لأنهم عاطلون عن العمل أو يعملون بشكل جزئي. لا يمكنهم الزواج أو شراء منزل. ماذا سيكون مستقبل السعودية إذا استمر هذا الوضع أو ازداد تدهوره؟

بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر في جميع أنحاء العالم العربي، ركّزت الاحتجاجات في العام الماضي على الفساد الهائل الذي ابتُلِيَت به مجتمعاتهم. وفي حال واصلت الأنظمة قمع المتظاهرين، سيتخلى النشطاء عن فاعلية الاحتجاجات السلمية، وسيلجأ بعضهم إلى العنف.

لا يستطيع نشطاء حقوق الإنسان والمطالبون بالإصلاح في المملكة العربية السعودية ومعظم الدول العربية تنظيم مظاهرات عامة بحرية وأمان، ومن دون قمع حكومي. غالبًا ما تواجه أجهزة أمن النظام المتظاهرين بالضرب والاعتقالات والغاز المسيل للدموع  والعنف المميت والاعتقالات. وكثيرون منهم، سواء في السعودية أو البحرين، يحاكَمون بموجب قوانين "مكافحة الإرهاب" و"مناهضة الدولة". من وجهة نظر النشطاء الإصلاحيين، لم يردع تقرير المخابرات الذي ورد ذكر تورط محمد بن سلمان فيه سلوكه ولم يشجعهم على مواصلة نضالهم من أجل حقوق الإنسان.

إنْ كانت إدارة بايدن ترغب بتقديم المزيد من التفاصيل في تقرير المخابرات، عليها أن تستنبط نهجًا بسيطًا ذا شقين: عليها إخبار محمد بن سلمان أنه يجب السماح للمتظاهرين السلميين المؤيدين للإصلاح بالتظاهر والمناداة بمطالبهم العامة بحقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطي بحرية ومن دون مضايقة من قبل النظام، وعليه أيضًا تخصيص صندوق وطني للشركات الناشئة الخاصة التي يقودها الشباب.

درسان برزا من الربيع العربي في العام 2011: أولهما أنّ مطالب الشباب العربي بالعدالة والكرامة والديمقراطية مستمرة على الرغم من الأنظمة الاستبدادية المستحكمة. وثانيهما أنّ الاعتماد على الحكام المستبدين والطغاة يمثل مشكلة على المدى الطويل للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. حسنًا تفعل إدارة بايدن بتوجيه رسالة إلى الجمهور السعودي من خلال المنظمات السعودية غير الحكومية المؤيدة للإصلاح، مثل مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، بأنّه تم إبلاغ محمد بن سلمان بأنّ حقوق الإنسان ستحتل مكانة مهمة في تحديد مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض. يجب أيضًا توجيه رسائل سرية إلى بعض كبار الأمراء في الأسرة الحاكمة مفادها أنه من وجهة نظر واشنطن، ليست خلافة محمد بن سلمان لوالده بالضرورة أمرًا حتميًا أو مستحبًا حتى. ولا يعود الفضل في استمرار حكم آل سعود لأيّ أمير معين.

النص الأصلي