في الشكل، بدا تعيين السفير خالد يوسف الجلاهمة في 30 مارس/آذار رئيسا للبعثة الدبلوماسية البحرينية في كيان الاحتلال أمرا طبيعيا بُعيد أعقاب الإعلان عن تطبيع العلاقات في سبتمبر/أيلول من العام الماضي؛ ولكن في المضمون لا يخلو قرار التعيين من عدة ملاحظات: 

أولا: السفير المعين للمنامة هو من خلفية أمنية، فهو منذ 2002 لغاية 2007 تنقل في عدة مناصب أمنية في قوة دفاع البحرين، وبعدها وصولا للعام 2009 كان مديرا لعلاقات الجهات الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الدفاع الأعلى، قبل أن يتدرج في مناصب دبلوماسية في وزارة الخارجية البحرينية منذ 2009.

 ثانيا: هو من عائلة الجلاهمة، وهي من العوائل المقربة للسلطة ولها تاريخ قديم جدا من العلاقات التحالفية منذ دخول آل خليفة للبحرين، وأفرادها يعملون ضمن أهم المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، ومنذ 2013 تسبب توجه عدد من عائلة الجلاهمة للحصول على الجنسية القطرية بمحاولة إعادة استقطاب بعض أفراد الجلاهمة من جديد.

بلا شك؛ فإنَّ تعيين شخصية ذات خلفية أمنية، ومن العوائل المقربة جدا للسلطة، لا يخلو من دلالات، هذا يدفعنا للتذكير بأنَّ أول زيارة لمسؤول إسرائيلي للبحرين بعد توقيع إعلان التطبيع كانت من قبل يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي والذي التقى بالفريق عادل بن خليفة الفاضل رئيس جهاز المخابرات الوطني والشيخ أحمد بن عبدالعزيز آل خليفة رئيس جهاز الأمن الاستراتيجي، ما أعطى دلالة آنذاك بأنَّ أولوية كيان الاحتلال في البحرين هي أمنية وليست اقتصادية بالدرجة الأولى.

لا ننسى هنا أن نشير إلى هذه المفارقة في التوزيع القبائلي دبلوماسيا وتجاريا على العلاقات البحرينية الإسرائيلية أيضا: وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني (ذو الخلفية العسكرية أيضا) والذي وقع على اتفاقية التطبيع من جهة، ووزير الصناعة والتجارة والسياحة البحريني زايد بن راشد الزياني الذي وقع 3 مذكرات تفاهم وإعلان تعاون مشترك في مجال التعاون التقني، والابتكار ونقل التكنولوجيا، والتعاون في النظم البيئية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

التوزيع الإداري لعائلة الجلاهمة في المواقع الإدارية العليا

ومن خلال مراجعة الجريدة الرسمية والقرارات الرسمية الصادرة مابين (2021 - 1974) نصل للنتيجة التالية: بلغ مجموع التعيينات لعائلة الجلاهمة 27 تعيينا في مناصب رسمية عليا، أمَّا التعيينات في الفترة (1979 - 1974) فقد انحصرت بشخص واحد هو عيسى عبد الله الجلاهمة في المواقع الإدارية التالية: (عضو في الهيئة البلدية المركزية، رئيس لجنة التوثيق في منازعات عقود بيع الأراضي، عضو في مجلس أموال القاصرين)، -تجدر الإشارة إلى أنَّ ملف الأراضي هو أحد الملفات الحساسية في البحرين- وفي سنة 1992 فقد كان هناك تعيين واحد هو من نصيب علي محمد الجلاهمة كوكيل وزارة مساعد للطرق والمجاري في وزارة الاشغال الكهرباء والماء، أمَّا مرحلة ما بعد ميثاق العمل الوطني (2010 - 2000) فقد كان هنالك 13 تعيينا كالتالي:

 وكيل وزارة مساعدا لمشاريع البناء والصيانة، عضو في مجلس الشورى، ثلاثة ضابط في قوة دفاع البحرين برتبة ملازم، مدير عام لبلدية المحرق، رئيس لديوان الرقابة المالية، أمين عام مساعد للمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية (مرتين)، مدير في وزارة الداخلية، وكيل وزارة مساعد للرعاية الاولية والصحة العامة في وزارة الصحة، وكيل لوزارة الإسكان، عضو في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.

 وفي الفترة ما بين (2021 - 2011)، فقد توزعت التعيينات كالتالي: مدير بالوكالة لإدارة المعلومات الصحية، يوسف الجلاهمة وزير لشؤون الدفاع -هو نفسه والد السفير البحريني بإسرائيل وتقاعد من منصبه على نحو مفاجئ بعد أزمة الفيلم الذي بثته قناة الجزيرة ما خفي أعظم وشارك فيه الضابط البحريني السابق ياسر الجلاهمة قائد كتيبة الأمن الداخلي الذي أوكلت إليه مهمة فض اعتصام دوار اللؤلؤة في 2011، رئيس تنفيذيا للهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، رئيس مجلس إدارة شركة توسعة غاز البحرين الوطنية، مدير ادارة العمليات في وزارة الخارجية (السفير البحريني بإسرائيل)، مدير إدارة المعلومات والتخطيط في وزارة الصحة، رئيس تنفيذيا للهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، وكيل نيابة عامة بدرجة قاض في المحكمة الكبرى من الفئة (ب)، مدير لإدارة الموارد البشرية والمالية في الهيئة الوطنية للنفط والغاز.

عودة استحضار الخطاب القبائلي منذ 2011

ليس صحيحا أنَّ الهويات الفرعية في البحرين لا تترك تأثيرها على الطابع الإداري والتنظيمي للدولة، صحيح أنَّ الخطاب العام للمجتمع المدني هو خطاب يرتكز على رفض التمييز العرقي والقبائلي والمناطقي؛ إلا أنَّ أحد السياسات الاستراتيجية للعائلة الحاكمة تمثلت في الحفاظ على توازن دقيق في توزيع المناصب الوزارية والإدارية لأفراد من عوائل أو قبائل موالية لها ولاء تاما؛ وخصوصا بعد اندلاع الأزمة السياسية في 2011 فقد أعادت الدولة استحضار الخطاب القبائلي بقوة في المشهد السياسي كأحد وسائل مواجهة مناهضة جدلية الشرعية الشعبية من خلال تأكيد متانة (الشرعية القبائلية) (1)، هنا يحضر التأكيد على أنَّ دستور 2002 هو دستور منحة وليس دستورا تعاقديا بل صادر وفق إرادة منفردة.

ولذلك؛ فإنَّ تركيبة مجلس الوزراء ليست ببعيدة عن هذه النمطية في التوزيع والمحاصصة؛ من حيث الشكل؛ فإنَّ تركيبة مجلس الوزراء الحالي لازالت تحافظ على نسبة 34% من نصيب العائلة الحاكمة (آل خليفة) في الوزارات، وهي كالتالي: رئاسة الوزراء، ثلاثة نواب لرئيس الوزراء، أربع حقائب وزارية وهي: وزارة الداخلية، وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وزارة النفط، أما القبائل والعوائل الموالية فمنها التالي: نائب لرئيس الوزراء (العريض)، وزارة الخارجية ووزارة المالية والاقتصادي الوطني (الزياني)، وزارة التربية والتعليم (منذ 19 سنة نفس الشخص)/ وزير شئون الدفاع (النعيمي)، وزير شئون مجلس الشورى والنواب (البوعينين)، وزير مجلس الوزراء (المطوع).

الخطاب القبائلي في مواجهة التحديث السياسي

في سنة 1980 صدر عن عالم الأنثروبولوجيا اللبناني فؤاد إسحاق خوري كتاب (القبيلة والدولة بالبحرين... تطور نظام السلطة وممارستها) وهو الدراسة الميدانية التي اشتغل عليها خلال (1974 - 1975)  بعد ثلاث سنوات من استقلال البحرين، وتحول الكتاب بعد صدوره إلى أحد أهم المراجع الأساسية التي يعود لها الباحثون في الدراسات السياسية والاجتماعية حول البحرين، فيما لازال الكتاب ممنوعا من دخول البحرين لغاية اليوم.

هذا الكتاب قدم خلاصة في غاية الأهمية حول الاشكاليات المتعلقة ببناء الدولة في البحرين خلص فيها إلى التالي: "أثبتت تجربة البحرين أن "القبيلة" في الحكم قد تتبنى الكثير من الأمور التحديثية في المجتمع كالمشاريع الاستعمارية وبرامج الإنعاش والإنماء، ولكنَّها ترفض التحديث السياسي كالتمثيل الشعبي والقانون المدني الموحد"(2).

*رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان

قائمة تعيينات عائلة الجلاهمة في المناصب العليا في البحرين (1974 – 2021)

لقراءة المقال بصيغة PDF يرجى الضغط هنا