» ترجمات
خطورة المعيار الأمريكي المزدوج إزاء التطرّف الإسلامي
2012-09-20 - 10:11 ص
جستين غينغلر *
وفاة السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة مسؤولين أمريكيين آخرين في ليبيا يوم الأربعاء الماضي تُبيّن الحاجة وتَشُدُّ الانتباه إلى تناقضٍ متزايد لا يمكن الدفاع عنه في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. حتى في الوقت الذي تسعى فيه للتعافي من هذا الهجوم الأخير من قبل متطرفين إسلاميين، لا زالت الولايات المتّحدة تدعم أو تتغاضى عن أتباع هذه الأيديولوجية نفسها الذين يوزعونها في أماكن أخرى في المنطقة، أكثرها وضوحًا في سوريا والبحرين. هناك، يتعيّن على صُنّاع القرار الأمريكي أن يتوقّعوا نتائج مخيفة على حدٍّ سواء .
نُفِّذ الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي من قبل عناصر يشتبه أنّها من جماعة أنصار الشريعة، وهي مجموعة مُتمسّكة بالفكر السلفي (أو الوهابي) الديني المُرتبط عادةً بالسعودية. وبينما لا يمكن صبغ الاحتجاجات الشعبية المُناهضة للولايات المتحدة التي واصلت الانتشار في أنحاء المنطقة بصبغة واحدة، فلا شك أن لها جذورًا في المظالم السياسية المحلّية، ولا تزال توجد ميزة واحدة مشتركة بينها، وهي الحضور البارز -والقدرة التنظيمية- للإسلاميين السنّة.
عندما نجح المتظاهرون في القاهرة وصنعاء في الدخول إلى سفارات الولايات المتحدة في بلدانهم، في كلا الحالتين استبدلوا العلم الأمريكي براية سوداء مكتوب عليها بالخط الأبيض الشهادة الإسلامية: "لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله".اللافتات التي قلّلت من قيمتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند بمراوغة، ووصفتها بأنّها "أعلام سوداء فارغة"، يجب أن تكون مألوفةً بما فيه الكفاية عند المسؤولين في الإدارة. إنّه نفس العلم المُعتمد من قبل السلفيين المُتطرّفين، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون لتنظيم القاعدة وفروعها الإقليمية، من مالي إلى اليمن. ليس من قبيل الصدفة ظهور العلم في كل الاحتجاجات الواسعة التي حدثت حتى الآن - في بنغازي، وفي تونس، وفي الخرطوم، وحتى في الدوحة .
عدم قدرة إدارة أوباما على الاعتراف برمزية العلم في العلن يدل على حقيقةٍ قائمة غير مريحة عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: أن أعداء الولايات المتحدة في دولةٍ ما هم حلفاؤها المفيدون في مكانٍ آخر. حتى وهي تترنّح مع أول وفاة لسفير قائم خلال أكثر من عقدين من الزمن، لا تزال الولايات المتحدة توفّر الإمداد اللوجستي وغيره من دعم "القيادة والسيطرة" للمتمردين في سوريا، في حين أنّ الحلفاء الخليجيين في قطر والسعودية يصبّون المال والأسلحة. ليس من المهم أو الباعث على القلق، على ما يبدو، ما هي طبيعة تلك القوى التي تقوم بدعمها، أو على نطاقٍ أوسع ما هي القوى الأيديولوجية الكامنة وراء نضالهم .
في حين أن الجيش السوري الحر هو من اشتهر بكونه غير متجانس أو ليس من شاكلةٍ واحدة، فإن من ضمن فصائله المسلحة جماعات سلفية لا تختلف عن أنصار الشريعة في ليببا. في الواقع، لقد ذكرت الصحف المحلية في اليمن أنّ أعضاء من نفس المنظّمة المُسلّحة في البلاد، والتي تحمل نفس الاسم، تركت اليمن للمشاركة في القتال في سوريا. في أوائل أغسطس سافر أربعة أعضاء من الكتلة السلفية البرلمانية في البحرين، الأصالة، ومن ضمنهم نائب رئيس الكتلة، إلى سوريا لتعزيز الثقة والقرابة مع نظرائهم في الجيش السوري الحر، مُتفاخرين، على (تويتر)، بدعمهم -أيديولوجيًا وماليًا- لـ "صقور الشام" في معركتهم ضدّ "الصفويين المكروهين"، أي الشيعة العلويين. عند عودتهم إلى البحرين، عمل أعضاء البرلمان (النواب) على قضية جديدة، بقيادة الحملة الموجهة ضدَّ الكنيسة الكاثوليكية الجديدة المزمع إنشاؤها، والتي أصرَّ أحد نواب الأصالة أنه، "لا يمكن أن تُبنى في شبه الجزيرة العربية ... [التي هي] معقل المسلمين " .
على الرغم من رغبة هذه المجموعات في التنسيق مع الولايات المتحدة بشكلٍ مؤقّت في سوريا، وبناءً عليه، ينبغي على المرء أن يُزيل أي أوهام بشأن توجهاتها السياسية والدينية، وما تعنيه هذه التوجّهات لمصالح الولايات المتحدة في أماكن لا تعمل ولن تعمل فيها هذه التحالفات المشبوهة. كما رأينا في اللغة الطائفية المنقولة أعلاه، هناك سمة واحدة مشتركة للتيار السلفي وهي انعدامٌ واضح للتسامح الديني، وخاصّةً مع المسلمين الشيعة الذين يُنظر إليهم دينيًا وبحسب ولائهم المفترض لإيران، بسياسة الكفار. أكثر من كونه عقيدة في حدِّ ذاته، يعكس هذا الفهم التبرير الذي يخدم المصالح الذاتيه للفكر السلفي المدعوم فكريا وماليا من السعودية التي تخوض منافسة من أجل الهيمنة الإقليمية ضد الجمهورية الإسلامية. مع مساعدة من وسائل الإعلام التي ترعاها السعودية، والمؤسسات الدينية، وتدريب جيل جديد من رجال الدين، ظهرت مشاعر معادية للشيعة و مؤيدة للعنف بوتيرة مثيرة للقلق في جميع أنحاء العالم الإسلامي، من شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام إلى أماكن أقل عرضة مثل كشمير وباكستان وإندونيسيا .
الأهم من ذلك، أثبتت هذه الأجندة الطائفية الدينية-السياسية المشتركة أنها مفيدة في تعبئة المواطنين السنّة ليس فقط ضدَّ نظرائهم الشيعة الشركاء في الوطن، بل ضد أي فرد أو حكومة يُنظر إليها باعتبارها متواطئة في سعيهم المزعوم للهيمنة الاجتماعية. وليس هناك أي مثال أكثر دلالة على ذلك من تصرّفات السعودية مع جارتها الصغيرة البحرين ذات الأغلبية الشيعية. لمواجهة قوة الانتفاضة الشعبية التي بدأت في فبراير 2011 من قبل معارضين شيعة وليبراليين. استغلّت حكومة البحرين –بل حتى زرعت- المخاوف والشكوك عند المواطنين الآخرين، ولا سيما قاعدة الدعم التقليدية السنيةالتابعة لها. خائفين من ما نجحت السلطة في تصويره كمؤامرة تدعمها إيران لتثبيت ثيوقراطية(حكومة دينية) شيعية في البحرين، اصطفّ كثيرٌ من السنة ليس فقط لمواجهة الناشطين الشيعة الذين صُوّروا لهم كطابور خامس، بل في مواجهة أي أحد يجرؤ على الإشارة لتسوية سياسية معهم ومع مطالبهم الطويلة الأمد بالإصلاح الدستوري، أكان ذلك الخارجية الأمريكية أو الملك البحريني .
تحريك وتعبئة السنّة البحرينيين المُدبَّر من قبل المتمسّكين بالحل الأمني في الأسرة آل خليفه الحاكمة وأقرانهم في السعودية ذوي التفكير المُشابه أثبت أنّه السلاح الأكثر فعالية في حملتهم لمنع التوصّل لأي تسوية سياسية في البلاد في أزمتها المُمتدة منذ 18 شهرًا. إحدى ثمار هذا الجهد هي تشويه صورة "التدخل" الغربي وبالتحديد تدخل الولايات المتحدة في شؤون البحرين الداخلية، على الرغم من تاريخ البلدين الطويل الحافل بالتعاون السياسي والعسكري واستضافة البحرين الأسطول الأمريكي الخامس .
في ذروة التظاهرات الحاشدة في مارس 2011، خصَّ السلفيون الموالون للحكومة موظفًا في الشؤون السياسية في السفارة الأمريكية بالمنامة بسبب صلته المزعومة بالمعارضة وتعاطفه مع النشطاء (وذكروا أيضا أنه يهودي). تمَّ توزيع صورته، وعنوانه، وتفاصيل شخصية أخرى، وتفاصيل عن عائلته على الإنترنت وعبر الرسائل النصية بكثرة. بعد عدة أيام، وتحت حراسة أمنية دبلوماسية مشددة، تمّ إرسال المسؤول بهدوء إلى موطنه لواشنطن لإجراء تبديل خدمة “روتيني".
طوال فترة الربيع وبداية الصيف، حين كان الدبلوماسيون الأمريكيون يضغطون لاستئناف المفاوضات الجادّة بين المعارضة والحكومة، واصل جناح المحافظين في أسرة آل خليفة حملتهم الإعلامية ضد حيلة الولايات المتحدة المزعومة في البحرين. الحملة الشعواء أنتجت سلسلة مقالات استمرت لأسبوعين تحت عنوان "آية الله أوباما والبحرين" نُشرت في صحيفة مُتشدّدة يرعاها الديوان الملكي. الكاتب، الذي عُيِّن بعدها كمدير تحرير، صوّر رئيس الولايات المتّحدة بأنه ضدّ البحرين ليس فقط لمصالح بلاده الاستراتيجية، ولكن نظرًا لتعاطف أيديولوجي شخصي مع الشيعة. لم تتوقف السلسلة إلا بعد شكوى رسمية من السفارة الأمريكية .
في وقتٍ لاحق في يوليو، قام وزير الدفاع في البحرين (وليس من الصدفة أنّه شقيق وزير الديوان الملكي) بمقابلة مع الأهرام المصرية، اتّهم خلالها الولايات المتحدة بما لا يقل عن التآمر بتنظيم، جنبًا إلى جنب مع إيران، انتفاضة فبراير كاملة. كرّر هذه الإتهامات في فبراير 2012، مصرّحًا لجريدة محلّية يومية أن “محاولة الانقلاب” تم دعمها من قبل 22 منظمة غير حكومية مختلفة "بإدارة وتمويل من الولايات المتحدة وإحدى الدول الخليجية [التي لم يًسمِّها]". لم يمضِ وقتٌ طويل بعدها لتذكر وكالة أنباء البحرين الرسمية لقاءً بين وزير الدفاع نفسه مع توماس كرايسكي سفير الولايات المتحدة، على ما يبدو، لمناقشة تفسير السابق المثير للأحداث.
مع ذلك تكثّفت الهجمة المُعادية للغرب والمُعادية لأمريكا بدل أن تهدأ. قبل شهرين فقط، ثار النواب المُرتبطون بالسلف والإخوان المسلمين لاستبدال السفير كراجيسكي مع التصريح بأنّ مساعد وزيرة الخارجية مايكل بوسنر الذي تم إرساله عدة مرات للبحرين إبّان الانتفاضة، كشخصٍ غير مرغوب فيه. كراجيسكي، وفقًا لأحد النواب السلفيين الذي كان من ضمن المجموعة التي ذهبت لسوريا في وقت لاحق:
يطالب بتمكين [المُعارضة] تحت ستار الديمقراطية وحقوق الإنسان. ... ينشط السفير منذ أن تمَّ تعيينه بشكلٍ خاص بالضغط على البحرين وتهديد وابتزاز البلاد. لقاءاته مع المعارضة لا تتوقف والتدخل الأميركي في شؤوننا وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة .
ومع ذلك، فإنّ الولايات المتحدة لا تزال غير مستعدة على ما يبدو لتحريك ساكن في المنامة أو الرياض بالمطالبة بوضع حد لهذه التعبئة التي ترعاها الدولة للسنّة التقليديين. ومع غياب ضغط فعال للقيام بخلاف ذلك، ضاعفت كلٌّ من البحرين والمملكة العربية السعودية استراتيجيتها السياسية الطائفية المشتركة، معتمدتين على خوفٍ شبه هستيري من مساعدة أجنبية لتمكين الشيعة، لمنع ظهور مُعارضة أكبر، تشمل جميع التوجهات والقطاعات في نهاية المطاف، تنظم نفسها بطريقةٍ خطرة حول المظالم التي تشترك فيها جميع قطاعات المجتمع: مشاكل مثل الفساد، والتنمية غير المتساوية، وغياب المساءلة السياسية. المحصّلة هي مناخ اجتماعي وسياسي لا يُظهر استقطابًا لم يسبق له مثيل فحسب، بل يمثّل تهديدًا قاتلًا لمصالح الولايات المتحدة –السياسية والأمنية معًا- في المنطقة .
الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 جلبت إلى الواجهة أسئلةً غير مريحة حول مصادر التطرف الإسلامي العنيف، وحول دعم الولايات المتحدة غير المقصود لهذا التطرف من خلال استمرار حماية الذين يساعدون في زرع بذور هذه العقلية. يتمنى المرءأن يُعاد النظر في هذه الأسئلة غير المريحة، وبتأثيرٍ ملموس أكثر، خصوصًا عندما يرتكب أفراد بالأيديولوجية ذاتها عملًا سياسيًا عنيفًا آخر في الذكرى الحادية عشر لأحداث 11 سبتمبر .
* جستين غينغلر تلقى مؤخرًّا شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ميشيغن وهو يعمل الآن في معهد الدوحه للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية .
وفاة السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة مسؤولين أمريكيين آخرين في ليبيا يوم الأربعاء الماضي تُبيّن الحاجة وتَشُدُّ الانتباه إلى تناقضٍ متزايد لا يمكن الدفاع عنه في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. حتى في الوقت الذي تسعى فيه للتعافي من هذا الهجوم الأخير من قبل متطرفين إسلاميين، لا زالت الولايات المتّحدة تدعم أو تتغاضى عن أتباع هذه الأيديولوجية نفسها الذين يوزعونها في أماكن أخرى في المنطقة، أكثرها وضوحًا في سوريا والبحرين. هناك، يتعيّن على صُنّاع القرار الأمريكي أن يتوقّعوا نتائج مخيفة على حدٍّ سواء .
نُفِّذ الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي من قبل عناصر يشتبه أنّها من جماعة أنصار الشريعة، وهي مجموعة مُتمسّكة بالفكر السلفي (أو الوهابي) الديني المُرتبط عادةً بالسعودية. وبينما لا يمكن صبغ الاحتجاجات الشعبية المُناهضة للولايات المتحدة التي واصلت الانتشار في أنحاء المنطقة بصبغة واحدة، فلا شك أن لها جذورًا في المظالم السياسية المحلّية، ولا تزال توجد ميزة واحدة مشتركة بينها، وهي الحضور البارز -والقدرة التنظيمية- للإسلاميين السنّة.
عندما نجح المتظاهرون في القاهرة وصنعاء في الدخول إلى سفارات الولايات المتحدة في بلدانهم، في كلا الحالتين استبدلوا العلم الأمريكي براية سوداء مكتوب عليها بالخط الأبيض الشهادة الإسلامية: "لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله".اللافتات التي قلّلت من قيمتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند بمراوغة، ووصفتها بأنّها "أعلام سوداء فارغة"، يجب أن تكون مألوفةً بما فيه الكفاية عند المسؤولين في الإدارة. إنّه نفس العلم المُعتمد من قبل السلفيين المُتطرّفين، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون لتنظيم القاعدة وفروعها الإقليمية، من مالي إلى اليمن. ليس من قبيل الصدفة ظهور العلم في كل الاحتجاجات الواسعة التي حدثت حتى الآن - في بنغازي، وفي تونس، وفي الخرطوم، وحتى في الدوحة .
عدم قدرة إدارة أوباما على الاعتراف برمزية العلم في العلن يدل على حقيقةٍ قائمة غير مريحة عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: أن أعداء الولايات المتحدة في دولةٍ ما هم حلفاؤها المفيدون في مكانٍ آخر. حتى وهي تترنّح مع أول وفاة لسفير قائم خلال أكثر من عقدين من الزمن، لا تزال الولايات المتحدة توفّر الإمداد اللوجستي وغيره من دعم "القيادة والسيطرة" للمتمردين في سوريا، في حين أنّ الحلفاء الخليجيين في قطر والسعودية يصبّون المال والأسلحة. ليس من المهم أو الباعث على القلق، على ما يبدو، ما هي طبيعة تلك القوى التي تقوم بدعمها، أو على نطاقٍ أوسع ما هي القوى الأيديولوجية الكامنة وراء نضالهم .
في حين أن الجيش السوري الحر هو من اشتهر بكونه غير متجانس أو ليس من شاكلةٍ واحدة، فإن من ضمن فصائله المسلحة جماعات سلفية لا تختلف عن أنصار الشريعة في ليببا. في الواقع، لقد ذكرت الصحف المحلية في اليمن أنّ أعضاء من نفس المنظّمة المُسلّحة في البلاد، والتي تحمل نفس الاسم، تركت اليمن للمشاركة في القتال في سوريا. في أوائل أغسطس سافر أربعة أعضاء من الكتلة السلفية البرلمانية في البحرين، الأصالة، ومن ضمنهم نائب رئيس الكتلة، إلى سوريا لتعزيز الثقة والقرابة مع نظرائهم في الجيش السوري الحر، مُتفاخرين، على (تويتر)، بدعمهم -أيديولوجيًا وماليًا- لـ "صقور الشام" في معركتهم ضدّ "الصفويين المكروهين"، أي الشيعة العلويين. عند عودتهم إلى البحرين، عمل أعضاء البرلمان (النواب) على قضية جديدة، بقيادة الحملة الموجهة ضدَّ الكنيسة الكاثوليكية الجديدة المزمع إنشاؤها، والتي أصرَّ أحد نواب الأصالة أنه، "لا يمكن أن تُبنى في شبه الجزيرة العربية ... [التي هي] معقل المسلمين " .
على الرغم من رغبة هذه المجموعات في التنسيق مع الولايات المتحدة بشكلٍ مؤقّت في سوريا، وبناءً عليه، ينبغي على المرء أن يُزيل أي أوهام بشأن توجهاتها السياسية والدينية، وما تعنيه هذه التوجّهات لمصالح الولايات المتحدة في أماكن لا تعمل ولن تعمل فيها هذه التحالفات المشبوهة. كما رأينا في اللغة الطائفية المنقولة أعلاه، هناك سمة واحدة مشتركة للتيار السلفي وهي انعدامٌ واضح للتسامح الديني، وخاصّةً مع المسلمين الشيعة الذين يُنظر إليهم دينيًا وبحسب ولائهم المفترض لإيران، بسياسة الكفار. أكثر من كونه عقيدة في حدِّ ذاته، يعكس هذا الفهم التبرير الذي يخدم المصالح الذاتيه للفكر السلفي المدعوم فكريا وماليا من السعودية التي تخوض منافسة من أجل الهيمنة الإقليمية ضد الجمهورية الإسلامية. مع مساعدة من وسائل الإعلام التي ترعاها السعودية، والمؤسسات الدينية، وتدريب جيل جديد من رجال الدين، ظهرت مشاعر معادية للشيعة و مؤيدة للعنف بوتيرة مثيرة للقلق في جميع أنحاء العالم الإسلامي، من شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام إلى أماكن أقل عرضة مثل كشمير وباكستان وإندونيسيا .
الأهم من ذلك، أثبتت هذه الأجندة الطائفية الدينية-السياسية المشتركة أنها مفيدة في تعبئة المواطنين السنّة ليس فقط ضدَّ نظرائهم الشيعة الشركاء في الوطن، بل ضد أي فرد أو حكومة يُنظر إليها باعتبارها متواطئة في سعيهم المزعوم للهيمنة الاجتماعية. وليس هناك أي مثال أكثر دلالة على ذلك من تصرّفات السعودية مع جارتها الصغيرة البحرين ذات الأغلبية الشيعية. لمواجهة قوة الانتفاضة الشعبية التي بدأت في فبراير 2011 من قبل معارضين شيعة وليبراليين. استغلّت حكومة البحرين –بل حتى زرعت- المخاوف والشكوك عند المواطنين الآخرين، ولا سيما قاعدة الدعم التقليدية السنيةالتابعة لها. خائفين من ما نجحت السلطة في تصويره كمؤامرة تدعمها إيران لتثبيت ثيوقراطية(حكومة دينية) شيعية في البحرين، اصطفّ كثيرٌ من السنة ليس فقط لمواجهة الناشطين الشيعة الذين صُوّروا لهم كطابور خامس، بل في مواجهة أي أحد يجرؤ على الإشارة لتسوية سياسية معهم ومع مطالبهم الطويلة الأمد بالإصلاح الدستوري، أكان ذلك الخارجية الأمريكية أو الملك البحريني .
تحريك وتعبئة السنّة البحرينيين المُدبَّر من قبل المتمسّكين بالحل الأمني في الأسرة آل خليفه الحاكمة وأقرانهم في السعودية ذوي التفكير المُشابه أثبت أنّه السلاح الأكثر فعالية في حملتهم لمنع التوصّل لأي تسوية سياسية في البلاد في أزمتها المُمتدة منذ 18 شهرًا. إحدى ثمار هذا الجهد هي تشويه صورة "التدخل" الغربي وبالتحديد تدخل الولايات المتحدة في شؤون البحرين الداخلية، على الرغم من تاريخ البلدين الطويل الحافل بالتعاون السياسي والعسكري واستضافة البحرين الأسطول الأمريكي الخامس .
في ذروة التظاهرات الحاشدة في مارس 2011، خصَّ السلفيون الموالون للحكومة موظفًا في الشؤون السياسية في السفارة الأمريكية بالمنامة بسبب صلته المزعومة بالمعارضة وتعاطفه مع النشطاء (وذكروا أيضا أنه يهودي). تمَّ توزيع صورته، وعنوانه، وتفاصيل شخصية أخرى، وتفاصيل عن عائلته على الإنترنت وعبر الرسائل النصية بكثرة. بعد عدة أيام، وتحت حراسة أمنية دبلوماسية مشددة، تمّ إرسال المسؤول بهدوء إلى موطنه لواشنطن لإجراء تبديل خدمة “روتيني".
طوال فترة الربيع وبداية الصيف، حين كان الدبلوماسيون الأمريكيون يضغطون لاستئناف المفاوضات الجادّة بين المعارضة والحكومة، واصل جناح المحافظين في أسرة آل خليفة حملتهم الإعلامية ضد حيلة الولايات المتحدة المزعومة في البحرين. الحملة الشعواء أنتجت سلسلة مقالات استمرت لأسبوعين تحت عنوان "آية الله أوباما والبحرين" نُشرت في صحيفة مُتشدّدة يرعاها الديوان الملكي. الكاتب، الذي عُيِّن بعدها كمدير تحرير، صوّر رئيس الولايات المتّحدة بأنه ضدّ البحرين ليس فقط لمصالح بلاده الاستراتيجية، ولكن نظرًا لتعاطف أيديولوجي شخصي مع الشيعة. لم تتوقف السلسلة إلا بعد شكوى رسمية من السفارة الأمريكية .
في وقتٍ لاحق في يوليو، قام وزير الدفاع في البحرين (وليس من الصدفة أنّه شقيق وزير الديوان الملكي) بمقابلة مع الأهرام المصرية، اتّهم خلالها الولايات المتحدة بما لا يقل عن التآمر بتنظيم، جنبًا إلى جنب مع إيران، انتفاضة فبراير كاملة. كرّر هذه الإتهامات في فبراير 2012، مصرّحًا لجريدة محلّية يومية أن “محاولة الانقلاب” تم دعمها من قبل 22 منظمة غير حكومية مختلفة "بإدارة وتمويل من الولايات المتحدة وإحدى الدول الخليجية [التي لم يًسمِّها]". لم يمضِ وقتٌ طويل بعدها لتذكر وكالة أنباء البحرين الرسمية لقاءً بين وزير الدفاع نفسه مع توماس كرايسكي سفير الولايات المتحدة، على ما يبدو، لمناقشة تفسير السابق المثير للأحداث.
مع ذلك تكثّفت الهجمة المُعادية للغرب والمُعادية لأمريكا بدل أن تهدأ. قبل شهرين فقط، ثار النواب المُرتبطون بالسلف والإخوان المسلمين لاستبدال السفير كراجيسكي مع التصريح بأنّ مساعد وزيرة الخارجية مايكل بوسنر الذي تم إرساله عدة مرات للبحرين إبّان الانتفاضة، كشخصٍ غير مرغوب فيه. كراجيسكي، وفقًا لأحد النواب السلفيين الذي كان من ضمن المجموعة التي ذهبت لسوريا في وقت لاحق:
يطالب بتمكين [المُعارضة] تحت ستار الديمقراطية وحقوق الإنسان. ... ينشط السفير منذ أن تمَّ تعيينه بشكلٍ خاص بالضغط على البحرين وتهديد وابتزاز البلاد. لقاءاته مع المعارضة لا تتوقف والتدخل الأميركي في شؤوننا وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة .
ومع ذلك، فإنّ الولايات المتحدة لا تزال غير مستعدة على ما يبدو لتحريك ساكن في المنامة أو الرياض بالمطالبة بوضع حد لهذه التعبئة التي ترعاها الدولة للسنّة التقليديين. ومع غياب ضغط فعال للقيام بخلاف ذلك، ضاعفت كلٌّ من البحرين والمملكة العربية السعودية استراتيجيتها السياسية الطائفية المشتركة، معتمدتين على خوفٍ شبه هستيري من مساعدة أجنبية لتمكين الشيعة، لمنع ظهور مُعارضة أكبر، تشمل جميع التوجهات والقطاعات في نهاية المطاف، تنظم نفسها بطريقةٍ خطرة حول المظالم التي تشترك فيها جميع قطاعات المجتمع: مشاكل مثل الفساد، والتنمية غير المتساوية، وغياب المساءلة السياسية. المحصّلة هي مناخ اجتماعي وسياسي لا يُظهر استقطابًا لم يسبق له مثيل فحسب، بل يمثّل تهديدًا قاتلًا لمصالح الولايات المتحدة –السياسية والأمنية معًا- في المنطقة .
الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 جلبت إلى الواجهة أسئلةً غير مريحة حول مصادر التطرف الإسلامي العنيف، وحول دعم الولايات المتحدة غير المقصود لهذا التطرف من خلال استمرار حماية الذين يساعدون في زرع بذور هذه العقلية. يتمنى المرءأن يُعاد النظر في هذه الأسئلة غير المريحة، وبتأثيرٍ ملموس أكثر، خصوصًا عندما يرتكب أفراد بالأيديولوجية ذاتها عملًا سياسيًا عنيفًا آخر في الذكرى الحادية عشر لأحداث 11 سبتمبر .
* جستين غينغلر تلقى مؤخرًّا شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ميشيغن وهو يعمل الآن في معهد الدوحه للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية .
اقرأ أيضا
- 2024-11-13وسط انتقادات للزيارة .. ملك بريطانيا يستضيف ملك البحرين في وندسور
- 2024-08-19"تعذيب نفسي" للمعتقلين في سجن جو
- 2024-07-07علي الحاجي في إطلالة داخلية على قوانين إصلاح السجون في البحرين: 10 أعوام من الفشل في التنفيذ
- 2024-07-02الوداعي يحصل على الجنسية البريطانية بعد أن هدّد باتخاذ إجراءات قانونية
- 2024-06-21وزارة الخارجية تمنع الجنسية البريطانية عن ناشط بحريني بارز