"بنقتلكم" "بندعس على الشيعة".. وقائع "حفلة تعذيب" السجناء في "جوّ" أبريل 2021 (الشاهد يونس الناصري)

معتقل الرأي الشاهد يونس الناصري
معتقل الرأي الشاهد يونس الناصري

2021-07-17 - 11:59 م

مرآة البحرين: قدم معتقل الرأي يونس الناصري إفادة تفصيلية عمّا حدث في سجن يوم 17 أبريل الماضي، وكيف نفّذت قوات الأمن حفلة تعذيب وحشية بحق السجناء، ثم كيف تواطأت النيابة العامة مع وزارة الداخلية في تلبيس قضية للشباب المعتقلين في هذا السجن.
وقد أعدّ هذه الوثيقة كل من منتدى البحرين لحقوق الإنسان، ومنظمة سلام للديمقراطية لحقوق الإنسان، اللذين أطلقا هذه الشهادة الهامة للنشر اليوم السبت 17 يوليو 2021.
يبدأ الناصري شهادته: أنا المعتقل في سجن جو المركزي بالبحرين يونس الناصري، أدون شهادتي هذه من (مبنى 15)، وأقسم أن أقول الواقع والحق.
يقول الناصري: بعد وصول نبأ وفاة عباس مال الله كنا نحن في مبنى 13 محرومين لمدة أسبوع من التشمس والاتصال لتغييب صوتنا الذي كان ينشر تفاصيل كارثة كورونا في السجن. في اليوم التالي لوفاة عباس مال الله، خرج السجناء في زنزانة 8 للممر وقالوا لن نقبل أن تغلق علينا أبواب الزنازين بعد اليوم حيث الموت الحتمي لأي حالة طارئة أو المرض المرافق له طوال حياته، وخرجت زنزانة 3 معهم بعد أسبوع تقريبا حيث سمحت لهم الفرصة، مطالبين بثلاثة مطالب رئيسية: أولا: محاسبة المتورطين والمتسببين في وفاة مال الله. ثانيا: الإفراج الفوري عنا فنحن معتقلو رأي. ثالثا: لحين الرجوع إلى جهة مختصة في موضوع الإفراج وإقرار الإدارة بتحمل مسؤولية ما يجري من أوضاع صحية كارثية في السجن لنا، عدم إغلاق أبواب الزنازين في العنابر كما هو الجاري في مبنى 22.
تم رفض المطالب بل والتهديد والوعيد فرفض السجناء الدخول للزنازين مطالبين بمقابلة جهة مسؤولة غير الإدارة المتورطة في كل ما يجري لكنهم لم يتعاطوا مع الأمر بجدّية، بل كانوا طيلة 11 يوم مدّة الاعتصام يستخدمون التهديد أو المماطلة.
بقي السجناء محتجين بسلمية حتى الرمق الأخير أثناء فترة الاعتصام، ثم تم تحويل حالتين للسلمانية من عنبرنا كانوا يعانون من آلام في القلب منذ فترة ولولا ضغط الشباب لما تم نقلهم، ضغطت الإدارة بطرق مختلفة من الحرمان من الأدوية حيث تعمّدت عدم إدخال الأدوية للعنبر لأسبوعين مما تسبب في حالات إرهاق شديدة لدى بعض مرضى السكلر والسكري والضغط والقلب متجاهلة بذلك أدنى قواعد الإنسانية.

يوم 17 أبريل الدامي
ظهر السبت 17 أبريل أثناء إنهاء صلاة الظهرين تم إغلاق الممر؛ لنفاجأ برؤية قوات أمنية بأعداد كبيرة مما يسمى بـ "قوات سافرة الشغب" يرافقهم عدد من الضباط بالرُتب العسكرية المختلفة من إدارة السجن ويبدو حتى من وزارة الداخلية، تواجد في مبنانا وأشرف على عملية القمع والتنكيل كل من: عبدالسلام العريفي مدير السجون، وهشام الزياني مدير السجن، والرائد سعود فلاح والنقيب أحمد العمادي وآخرون. بدأت عملية القمع والضرب للشباب المعتصمين في الممر فقرعنا أبواب الزنازين وهتفنا بالتكبيرات رفضاً لما يجري على إخوتنا من تنكيل وضرب، فكانوا يأتون لنا الضباط وقوات سافرة ويهددوننا من نوافذ الأبواب: سنكمل وندخل لكم الزنازين" وكانوا يشتموننا ويقومون بحركات وضيعة بأديهم، ويكررون لنا "بنقتلكم".
مما زاد في غضبنا ولم يرهب أحد ولشدة ما رأى الشباب في الزنازين من تنكيل حاقد يجري على إخوتنا في الممر قمنا برمي علب مزيل العرق والشامبو وسكب المياه فقط لتخفيف الضغط على السجناء الذين يُضربون في الممر، دقائق وتم أخذ جميع المعتصمين من داخل زنزانة 8 بالضرب والركل والتنكيل.
امتلأ العنبر بدماء السجناء، رأيناهم يخرجونهم من العنبر بلا أي رحمة، الأبواب لا زالت تطرق بقوة احتجاجا على ما يجري، بعد ثواني معدودة تجمعت قوات الشغب والنقيب العمادي وعدد من الضباط عند باب زنزانة 11 فتحوا نافذة الباب ورموا قنبلة صوتية ثم فتحوا الباب وحاولوا الدخول ولكن المعتقلين بالزنزانة قاوموهم بما يستطيعون حتى منعوهم من الدخول، فرموا 5 قنابل صوتية داخل الزنزانة الواحدة تلو الأخرى، و بعدما ملئت الزنزانة بالقنابل الصوتية وزذاذ الفلفل الذي كانوا يطلقونه اضطروا للتراجع، فتقدم الضابط المسؤول وأقسم بأن لا يلمس أحد بأذى طالبا خروج الشباب من الزنزانة واحدا واحد، فخرج أحد الشباب ورأينا نحن من نوافذ أبواب الزنازين كيف تلاقفوه القوات المهاجمة حيث لم تلمس قدماه الأرض والكل فيهم ينهال عليه بالضرب والركل.
رفض السجناء بعد ذلك الخروج من الزنزانة بداية، وقالوا للضابط "نحن في زنزانتنا: ماذا تريد منا؟، أنتم أخرجوا وأغلقوا الباب، لن نخرج من زنزانتنا وقد رأينا ما فعلتومه تواً بأخوتنا". ولكن بعد قسمه وحلفه، استجابوا لطلب دخولهم، فدخلت القوات بحركة مباغتة سريعة وواصلوا ضرب السجناء حتى أصيب سعيد عبدالإمام بإصابات كثيرة وإحداها في عينه وأغمي عليه، وأصيب صادق العلواني وسيد علوي الوداعي في جميع أنحاء جسدهم بإصابات متفرقة.
أخذوهم خارج الزنزانة ورأى جميع من في الزنازين ورأيت بأمّ عيني سيد علوي وهو يضرب بوحشية والدماء تغطيه وهو جالس يغطي رأسه بيديه، أخذونا جميعاً الى مكتب المراجعة في السجن حيث وجبات الضرب تزداد هناك والشتم لا يتوقف ثم أركبونا بباصات لنقلهم لمبنى 15.
وفي الباصات تعرضنا لجولة أخرى من التعامل الوحشي والقاسي، وكان احد رجال الأمن واسمه أحمد فريح يغني بالقول "بندعس على الشيعة"، وطالبًا من السجين علي مهدي وضع حذائه في فمه؛ فرفض وهو مكبل ومرمي على صدره؛ فانهال عليه بالضرب فيما النصيب الأكبر من وجبات التنكيل والضرب وجهت للسيد علوي الوداعي حيث كسرت نظارته ولا زال إلى اليوم بلا نظارة؛ حيث أصيبت إحدى عينيه ورأسه وجميع أنحاء جسده بضربات خطيرة وبقي بدائه حتى التئمت الجروح بنفسها وبقيت آلامها.
دفعت زنزانة 11 ضريبة عدم الدخول لباقي الزنازين والتنكيل بنا؛ حيث غيرت رأي القائمين على العملية الأمنية المشؤومة وتحملت التبعات لتكفي الجميع من حلقة الإجرام المخطط لها في ذلك اليوم.

آثار الدماء في الجدران وكل مكان
انقضى ظهر ذلك اليوم، وبقيت آثار الجريمة في كل مكان؛ فالدماء موزعة على الجدران وفي الممر وفي كل مكان. نقل السجناء إلى مبنى 15 (الوكر) ولاقوا ما لاقوا هناك من تنكيل؛ سأتطرق إلى ما جرى في هذا المبنى لاحقا. منعنا من الفطور والماء في اليوم الأول، ودخلت "قوات سافرة الشغب" معها جمع من أفراد الأدلة الجنائية وعدد من الضباط ليواصلوا حياكة مسرحيتهم؛ فقام السجناء بطرق الأبواب والتكبير استنكارا لكل ما جرى ويجري حتى وقت انسحابهم. منعنا أيضا من وجبة السحور والماء في اليوم الأول ولم يدخل أي أحد إلى عنبرنا لمدة يومين؛ فحرمنا من الماء والطعام طوال هذين اليومين وكنا حينها نقتصر في الإفطار على قطعة واحدة من البسكويت لكل منا وفي السحور كذلك لشح طعام برادة السجن حينها في الزنازين، ونشرب الماء من صنبور الحمام وقد تعمدوا إغلاقه وإغلاق التكييف فترات طويلة.
وفي اليوم الثالث سمح لنا بالماء ولكن تعمدت الإدارة استجلاب أحد المعذبين (بيسية) من الجالية الآسيوية لتوزيع الطعام فرفضنا استلام الفطور دخلنا في إضراب عن الطعام مطالبين بإرجاع أخوتنا من مبنى 15(الوكر) مصيرهم. ولكن الإدارة واصلت تعنتها بل وكانت ترسل التهديدات تواليا لنا.

8 أيام مع آثار الجروح والدماء
بعد 5 أيام من الواقعة والإضراب سقط السجين المصاب بالقلب جعفر الجمري فتم نقله إلى السلمانية بعد أن تأكدوا من حالته الحرجة، وفي ذات الوقت سقط محمد هادي لكنه رفض العلاج فتم نقله فورا إلى مبنى 15 مع زملائه.
في اليوم التالي الموافق يوم الخميس 22 أبريل بعد صلاة الظهر ساءت حالتي وبعد قرابة الساعة تم نقلي إلى العيادة وتم فحصي حيث لم يكن نبضي والسكر طبيعيا، وكان ضغطي وحرارتي مرتفعان فتم أخذ مسحة فحص كورونا مني، وبعدها رفضت العلاج مطالبا بالكشف عن مصير أخوتي، تم عزلي في مبنى 6 مع سجناء آسيوين لمدة يومين على الرغم من ظهور نتيجتي بأني غير مصاب، خلال هذين اليومين قابلني أكثر من مُلازم، البعض يرُغِّب والبعض الآخر يهدد لأفك إضرابي وآخرهم جاء لي بتعنت قائلا لن تعود للمبنى حتى تفك الإضراب فقلت له "لو أموت".
وعلمت حينها أن عزلي الآن محاولة لتليين موقفي وعقوبة لثنيي عن الإضراب. الأهم، تم وعدي فجر اليوم التالي بأخذي فورا للإطمئنان على إخواني في مبنى 15 مقابل فكي للإضراب وبعد عدّة أمور تم نقلي وعزلي مع الإخوة في المبنى فجر ذلك اليوم.
التقيت بالسجناء وهم في حال لا تتمنى أن ترى بها حتى العدو، على رغم مرور 8 أيام على تواجدهم في مبنى 15 إلا أن آثار الجروح والكدمات والدماء لا زالت واضحة في أجسادهم من أثر الدماء. حين وصولي لوكر التعذيب كانوا للتو قد أحضروا للبعض ملابس، أي بعد 8 أيام ظلوا فيها بملابس المليئة بالدماء وبلا استحمام، قصّ لي الإخوة كل ما جرى عليهم.
منذ وقت الحادثة إلى وصولهم لوكر التعذيب بمبنى 15 نام السجناء بالقيود طوال يومين وبلا أغطية أو فراش، بعد يومين تم جلب الأغطية والفراش ولكن ظل الشباب إلى بعد 6 أيام بالقيود، وإلى 8 أيام بملابسهم دائهم.
بعد حوالي 10 أيام أو أكثر من الواقعة حضرت النيابة العامة لعرض الشباب عليها في مبنى الزيارات فرفض الشباب، حيث لا أمان من تعرض أي أحد يخرج من الوكر للتعذيب والتنكيل ثانية، وحيث لا مصداقية وأمانة أصلا للنيابة العامة التي تجاهلت الرسائل والاتصالات الموجهة لها منذ أول يوم لاعتصام السجناء وإلى يوم الحادثة وأتت الآن فقط لإدانة السجناء المحتجين.
تفاجئت أيضا أنهم أتوا لي كباقي الشباب أكثر من 3 مرات لعرضي على وكيل النيابة فرفضت طالبا حضور المحامي، وفي المرة الأخيرة أتى وكيل النيابة إلى المبنى في مكتب الضابط وسألني الملازم أمامه عن سبب رفضي فأجبته أريد مقابلة المحامي أولا وقد قلت لكم ذلك أكثر من مرة ولكن إذا كانت الإدارة تمانع ذلك ليس عندي مانع من مقابلة النيابة، كنت أريد إتمام الحجة عليهم فقط ولا أعلم هل سيقحموني في القضية أيضا مع السجناء أما ماذا، ففصول مسرحيتهم ملخبطة جدا.

النيابة والتظلّمات ومهمة تزوير الحقيقة
بعد وعود حثيثة من وكلاء النيابة والإدارة بعدم التعرض لأحد ضمان سلامة الشباب ذهبت مجموعة من الشباب وقابلت النيابة، وكان التركيز في تحقيق وكلاء النيابة على تجميع اعترافات على بعض الشباب عبر التعرف عليهم من مقاطع فيديو مقتعطة على ثواني قصيرة جدا وإدانتهم بها، طالب الجميع النيابة بعرض جميع الفيديوات والتصوير الكامل وعدم اقتطاع الحقيقة الكارثية التي تعرضوا لها مقاطع دافعوا بها عن أنفسهم ويتم استعمالها لإدانتهم أسفا.
النيابة واصلت صياغة مسرحيتها وقالت الصلاحية لأخذ الفيديوات كاملة لدى وحدة التحقيق الخاصة، الأخرى التي أتت لتواصل فصول المسرحية، وتحقق بذات النفس الذي تحقق به.
وأخيرا تمت الموافقة عرض بعض الشباب بعد أسبوعين تقريبا من الحادثة على الطبيب الشرعي الذي لم يضف شيئًا جديد ولم يطالب حتى بنقلهم لأخذ العلاج المناسب.
أيضاً، أتى عدد من الأشخاص عرّفوا نفسهم أنهم تابعين للتظلمات ليكملوا فصول المسرحية التي بدأوها جميعا، وفقوا عن زنزانة أو زنزانتين وفي ساحة السجن، وقفوا كذلك على عجالة من أمرهم ولكي يحصلوا على التصوير الذي نشروه كما سمعنا مؤخرًا.
لا زلت ولا زال أخوتي معزولين في وكر التعذيب مبنى 15 لسنا في مأمن من أي انتقام في الأيام القادمة، وقد لمسنا شيئا منهم في الأيام الفائتة عبر نقل البعض للإنفرادي وتقييد شباب إحدى الزنزانات ورشهم بالفلفل مرة أخرى وتركهم بالقيود لثلاثة أيام وغيرها من الانتهاكات الانتقامية.
نحن مؤمنون كل الإيمان بأن استمرار الحراك المطلبي وتسليط الضوء على واقع المعتقلين هو الضمانة لسلامتنا وعدم الانتقام منا..