(الست نبوية) في ضيافة الحكومة البحرينية
عباس المرشد - 2012-09-24 - 9:14 ص
عباس المرشد*
يبدو أنّ مسلسل (درب الزلق) لا يزال قادرًا على أن يكون مرجعية مهمّة لتفسير سلوكيات الأنظمة الخليجية رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنتاجه. فالتواصل الفعّال، كما يسمّيه هابرماس، في منطقة الخليج هو التواصل الأقدر على تمثيل المواقف بمواقف أبطال المسلسل. في واحدٍ من أبرز المشاهد يظهر (سعد الفرج) مع أخيه (عبد الحسين عبد الرضا) في سجالٍ تجاري ومواصفات التجارة الناجحة، إلا أنّ جملة تاجر فاشل والإشادة بالفشل وتحويله لانتصار هو سر المشهد برمّته. فليس مهمًّا أن تنجز حقيقةً على أرض الواقع، وبإمكانك اتخاذ الفشل في الإنجاز وسيلةً لمنافسة النجاح الحقيقي والإنجاز الفعلي.
هكذا بكل بساطة تحاول الحكومة والنظام السياسي في البحرين استعادة ذاك المشهد أمام كل استحقاق، فكلنا نتذكّر كيف حوّل النظام فشله في تقرير لجنة تقصّي الحقائق لإنجازٍ يُضاهي به إنجازاتٍ إصلاحية حقيقية وتجارب أنظمة تحوّلت بالفعل من أنظمة استبدادية لأنظمة ديمقراطية تحترم إرادة شعبها وتحترم حقوق مواطنيها، وبدلًا من العمل على النجاح الفعلي، أصبحت ماكينة الإعلام الرسمي وبرقيات التهنئة تحثُّ الخُطى على أنّ هناك تقريرًا من 600 صفحة أدان الحكومة والنظام والملك، وما العيب في ذلك؟ فالنظام السياسي يمكن أن يكون فاسدًا ومجرمًا وقاتلًا ومنتهكًا لأبسط حقوق الإنسان، حاله حال أي نظامٍ ديمقراطي حقيقي جاد في تلبية رغبات مواطنيه. وبعد أن يسرد التقرير عشرات الصفحات في فنون التعذيب والانتهاكات، ليس غريبًا أن يظهر القائم بالانتهاكات والمشرف عليها فعلًا وقولًا وممارسةً ليقول إنّ ديمقراطية البحرين تضاهي أعرق الديمقراطيات في العالم.
بعد قرابة العام، هي الفترة الفاصلة بين الإعلان عن الانتصار في الإبقاء على الاستبداد، تعود تفاصيل المشهد نفسها بعد ما يسميها البعض بغزوة جنيف، فالإعلام الرسمي تبادل برقيات التهنئة على الإنجاز الكبير الذي تحقّق في جلسة جنيف الأخيرة وقبول أكثرية الأعضاء بالتقرير الذي قدّمته الحكومة واتخاذ الإجراءات التابعة له، وهي وضع النظام في البحرين تحت المراجعة لمدّة شهرين إضافيين.
قبل عقد الجلسة غرّد وزير الخارجية البحريني مؤكّدًا أنّ موقف حكومته بات أكثر قوّة من الجلسة السابقة، أمّا ما لم يود الحديث عنه فأمران: الأول قوّة المال الخليجي وتشابه الأنظمة العربية في ظلاماتها لشعوبها، والثاني النهاية المؤسفة التي ستؤول إليها أوراق أكبر توصيات في تاريخ مجلس حقوق الإنسان، وهي نهاية كشفت عنها مُداخلات وتعليقات الدول الغربية، وبالأخص كلمة النمسا والولايات المتحدة الأمريكية، وما نتج عنها من إلغاء المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية البحريني، بعد لقائه مع بوسنر الذي سنأتي على ذكره لاحقًا.
لقد كان النظام البحريني طوال الفترة السابقة لجلسة جنيف، في 20 سبتمبر، يعبث كثيرًا من أجل أن يحصل على هدفين رئيسيين، والباقي سوف يتعامل معها كما تعامل سعد الفرج مع منظمومة التجارة المالية، فما كان يشغل النظام هو أن يمرّر قبوله بالتوصيات 176دون حاجز، وأن تكون تحفّظاته مقبولة من أعضاء المجلس، وقد استطاع النظام عبر المال والعلاقات المحرّمة أن يفعل ذلك، والأمر الثاني، والأهم، هو الحيلولة دون التصعيد في ملف حقوق الإنسان، عبر اللجوء للباب الرابع أو العاشر، حيث يمكن فرض عقوباتٍ اقتصادية على النظام، وبالفعل استطاع النظام فعل ذلك ولكن بالتحالف مع حلفاء السيد بوسنر.
كلنا نتذكّر كيف باركت الولايات المتّحدة وكافّة المتحدّثين باسمها مشروع لجنة تقصّي الحقائق ونتائجه، وإشادتهم المتكررة بقبول الملك البحريني بنتائج التحقيق برحابة صدر، ومرّةً أخرى نتذكّر مفهوم التجّار الفاشل في عرف سعد الفرج، فقد خرق النظام كافة تعهّداته التي أعلنها في محفل الإعلان عن التقرير. وعندما واجهت قوى المعارضة السفراء الغربيين الثلاثة بطريقة تعامل النظام مع توصيات بسيوني، لم يكن لديهم جواب، رغم قطعهم تعهّدات مُمثالة بإلزام النظام بترتيب آثار جدية وحقيقية على نتائج تقرير لجنة تقصّي الحقائق، وكانت إجابتهم باهتة مثل مواقفهم التي عبّر عنها أحدهم قائلًا أنهم لا يملكون قوّة لإلزام الحكومة باحترام حقوق الإنسان، علمًا أنّنا نتحدّث عن انتهاكات حقوق الإنسان المتّصلة بالجيل الأول من حزمة حقوق الإنسان، أي التعذيب وملحقاته، ولا نتحدّث عن الحقوق السياسية والديمقراطية.
ولنقل شيئًا آخر في لقائه الأخير، الذي جمع بوسنر ببعض القيادات السياسية، قبل شهر تقريبًا من خطاب أمين عام الوفاق في سار، والذي على إثره تمَّ منع الجمعيات السياسية من تنظيم مسيراتها واعتصاماتها. في إحدى الجلسات قال بوسنر إنّ على الجمعيات أن توافق على الدخول في الحوار بالشكل والسقف الذي ستقدّمه الحكومة، إلا أنّ الجمعيات رفضت هذا العرض، فسرّب بوسنر مقولته إذًا عليكم تحمّل نتائج ذلك، وقال إنّ الحكومة سوف تُقدم على اعتقال عددٍ من الرموز والشخصيات (وهذا يفسّر عملية اعتقال نبيل رجب)، وإنّها سوف تمنع الفعاليات السياسية وتضيّق عليها (وهذا يفسّر أيضًا منع مسيرات الجمعيات) وإنّ الحكومة سوف تزيد من جُرعة العنف المُستخدم ضدّ المتظاهرين (وهذا يفسّر الاستخدام المفرط لسلاح الشوزن في تلك الفترة). وقد كان السيد بوسنر وفيًّا جدًّا ومخلصًا للنظام البحريني، عندما قدّم شهادته أمام لجنة الاستماع في الكونغرس الأمريكي، والتي مدح فيها النظام وبرّأه من ما قاله المعارضون في حقّه.
السيد بوسنر يُمارس الدور نفسه في توصيات جنيف، ويسعى، واستطاع أن يكون نجم الجلسة، بدلًا من فريق المُرتزقة والمتردية وما أكل السبع، الذين قادهم وزير الخارجية في الجلسة. فتوصيات جنيف لن يكون لها صدىً أو تأثيرٌ في مسار النظام البحريني ما دام مطمئنًا لسيولة النفط السعودي والمال القطري والخداع السياسي الأمريكي.
أعتقد أنّ الوضع المُقبل لن يكون مُختلفًا عن ما سبقه، وأنّ إلحاح القوى السياسية على ربط الحكومة والنظام بفلتات لسانه سيكون له أثر ولكن ليس قريبًا بقدر ما ستحكم المعادلة قوّة أخرى غير معنية بمخارج الحروف الملتوية. يؤكّد هذا المعنى ما حدث في مُحاكمة نيبل رجب الأخيرة عندما قدّمت محاميته دفوعها استنادًا لبعض فقرات تقرير بسيوني، حيث يُعدُّ التقرير بمثابة وثيقة قانونية أصدرها قاضٍ دولي، ورد القاضي يختصر مجمل المسألة المُرتقبة لتوصيات جنيف، وهي وثيقة قانونية دولية أيضًا. رد القاضي كان بهذه العبارة "سيبك من تقرير بسيوني ده صار ماضي" وتوصيات جنيف ستصبح ماضيًا أيضًا، ما لم يكن هناك حراكٌ ميداني يحاصر النظام ويمنع عليه استكمال مشاهد مسلسل درب الزلق، وهو استقدام (الست) نبوية من قبل علي المفيدي، بعد أن قرّر الزواج منها لأنّها قالت له "يا أشطة".
*كاتب بحريني.