"نوح الراعبية" أبرز إنتاج فني في موسم عاشوراء 2022... لماذا يثير كل هذه الأصداء؟

السيد عصام الهاشمي: عمل ملحمي يتلقى إشادات واسعة
السيد عصام الهاشمي: عمل ملحمي يتلقى إشادات واسعة

2022-08-04 - 7:18 ص

مرآة البحرين (خاص): تستلفت قصيدة "نوح الراعبية" للرادود البحريني السيد عصام الهاشمي انتباه المهتمين بسوق الإنتاج الفني والعزاء الحسيني خلال موسم عاشوراء هذا العام 2022 منذ طرحها في 26 يوليو الماضي. فقد تخطت مشاهداتها 780 ألفاً في ظرف أسبوع وما يزيد عن 3 آلاف تعليق على "يوتيوب" مع أصداء تتجاوز المحلية إلى دول الخليج العربي والعراق حيث تواصل التصدر متلقية الإشادات الواسعة.

ويقول النائب السابق بمجلس الأمة الكويتي فيصل الدويسان "قصيدة رائعة وإخراج مؤثر وأداء يدخل القلب من إخواننا الأحباب البحارنة". 

تستعيد "نوح الراعبية" قصة أحد أصحاب الإمام الحسين وأكبرهم عمراً وهو حبيب بن مظاهر الأسدي الملقب بـ"شيخ الأنصار" الذي هو في الوقت نفسه من صحابة النبي محمد أيضاً حيث عاصر المأثرة النبوية، كما عاصر أحداث التمرد خلال فترة خلافة الإمام علي وخاض كل معاركه معه قبل أن يقتل مع ابنه الحسين في كربلاء عن عمر 75 عاماً.

مستثمراً قربه من تراث الشاعر المرموق الراحل غازي الحداد، وعلاقته الوطيدة به في قرية "البلاد القديم" جنوبي المنامة التي تشاركا معاً النشأة والسكنى فيها، استلّ الرادود السيد عصام الهاشمي من أحد دفاتره واحدة من قصائد صديقه المكتوبة باللهجة العامية الهجينة البحرانية والعراقية ليشكل بها مع الصوت الشجي والألحان البسيطة غير المتكلفة عَمَلاً بديعاً بالغ التأثير. 

رغم خروجه على نمط الألوان التحديثية والبطيئة التي جنح لها العزاء البحراني خلال السنوات الأخيرة، وعودته إلى الألوان القديمة الأقل تعقيداً وتصنعاً، إلا أن آلاف التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تتفق بأنها أهم إنتاج فني خلال موسم محرّم هذا العام. 

وحول ذلك يقول الرادود الشيخ حسين الأكرف لـ"مرآة البحرين" رداً على سؤال بشأن ذلك إن "غزارة الإنتاج في إطار القصائد الحديثة والألوان الجديدة التي أصبحت تشبه بعضها بعضاً صنعت الفارق لصالح «نوح الراعبية» التي طرحت نمطاً مختلفاً، قديماً نوعاً ما؛ ولكن له لمسته الخاصة الجميلة". يضيف "أحيا السيد [عصام الهاشمي] نمطاً مخبوءاً بدت جنبه الألوان الأخرى مستهلكة".

يلتقي مع هذا الرأي الشاعر حسين فخر. "أثبت بأن النص واللحن البسيط يتغلبان على الإمكانات كلها فهما المكون السري لنجاح اللطمية الحسينية". ويشرح "إنه عمل ينتصف للجمهور الذي يمكن معرفته من خلال التعليقات. الجمهور الشاب الذي نتخيل بأنه يريد نمطا «حديثاً» من الكلمات وألحانًا معقدة فإذا به ينساق لـ«نوح الراعبية» ذات اللحن البسيط الذي لا يتطلب قدرة عالية لأدائه ولا مهارات متقدمة". 

يمكن تصنيف "نوح الراعبية" بأنها من الأعمال "الطويلة" نسبياً حيث تصل مدتها إلى 14 دقيقة فيما يبلغ متوسط الأعمال الفنية الحسينية السائدة من 7 إلى 10 دقائق. ومع ذلك يؤكد كثير من المعلقين على القصيدة بأنهم لا يسأمون تكرار سماعها مرة بعد مرة. تقول إحدى المعلقات وهي مغردة عراقية اسمها تبارك علي "صار ساعة كاملة أسمعها مكَاعد قلبي يرتوي ودي أحطها وسط قلبي".

ليست بساطة الألحان هي الشيء الوحيد الذي يميز هذا العمل الناجح بل بساطة المشاهد المستخدمة أيضاً. ويقول الشاعر فخر "لم يشتغل على استثمار الجانب الجمالي والمشاهد المعقدة فنياً لدعم الإصدار بل تم تقديمه بصورة بسيطة للغاية: كهول يلطمون حول رادود يؤدي القصيدة بدون تكلف ولا خلفيات ولا ألوان ولا حتى وجوها شابة (...) هذه الصورة غريبة واقعا على جميع الإصدارات الموجودة" وفق تعبيره.

تصور أبيات القصيدة وفاء زعيم بني أسد الطاعن في السن حبيب بن مظاهر النادر للإمام حسين وأهل بيته حيث يخاطب أخته زينب تواضعاً "امري على الخادم". لكنها لا تقتصر على ذلك فهي في الحقيقة قصيدة ملحمية تتشكل من لوحات متعددة تطوف بسامعها في معظم محطات كربلاء وأحداثها مستثمرة تقنية اللقطة أو الومضة. ويقول الشيخ الأكرف "لغة القصيدة غير مألوفة".

ويسهب الأكرف في الحديث عن ما يسميه "المدرسة البلادية" التي ينتمي لها كل من السيد عصام الهاشمي والشاعر غازي الحداد معاً والتي يرى أنها أحد الأسرار الأساسية لنجاح هذا العمل. "حافظت على تراثها وعلى نسق معين حيث لم ينجر كل رواديدها تقريباً حتى إلى المدرسة البحرانية الداخلية". ويقول "ضربت مدرسة البلاد القديم سوراً على نفسها وعلى أسلوبها وتراثها فلم يذهب أيٌّ من رواديدها إلى مدارس العزاء الحديثة". ويجادل بأن "السيد عصام استعاد الأسلوب الخاص لهذه المدرسة. ومع خامة صوته الفخمة ذات الحزن المخبوء إضافة إلى كاريزما شخصيته التلقائية غير المتكلفة خرج لنا هذا العمل. الكل يقول مختلف في حضوره وأسلوبه".

وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الرادود السيد عصام الهاشمي بتقديم عمل مرتكز إلى نصوص الشاعر الراحل غازي الحداد فقد سبق له أن قدّم "شرفية الحدّاد" و"ناعية الحداد" و"مدرسة الحداد" و"أرجوزة الحداد" وقصيدة "وصية" كنوع من الوفاء لصديقه. هذا وقد تعرضت لطميته الحديثة "نوح الراعبية" إلى القرصنة حيث قام أحد الرواديد العرب "أ. ر" باستنساخ ألحانه وكلماته حرفيا على صفحته الخاصة في "يوتيوب" زاعماً بأنها "النسخة الأصلية" فيما لقي الاستنكار على هذا الفعل من المعلقين.