باقر درويش: تعيين عسكري لكتابة تاريخ البحرين الحديث

ماجد النعيمي (ارشيفية)
ماجد النعيمي (ارشيفية)

باقر درويش - 2022-11-22 - 9:34 م

صدر بالأمس (الإثنين) في البحرين مرسومان ملكيان رقم (68) و (70)، أمَّا الأول فهو لتشكيل مجلس الوزراء الجديد المكون من 23 وزيرا بالإضافة للنائب الرئيس ورئيس الوزراء، والثاني هو لتعيين رئيس لمركز الأرشيف الوطني مع حفظ درجته السابقة (وهو وزير التربية والتعليم السابق ماجد النعيمي - 22 سنة بنفس المنصب في العهد الكارثي من إخفاقات وزارته)، أما الوزير الجديد فهو شخصية معروفة بنشر خطابات الكراهية ضد المعارضة والكوادر التعليمية السجينة محمد مبارك جمعة (طوال 12 سنة) ومنها قيادة جمعية المعلمين، وممن كانوا يوقعون على إقالة الكوادر التعليمية في 2011 لأسباب سياسية وطائفية صرفة وللتزلف للعائلة الحاكمة، كما لم يخف رفضه الصريح لعودة المعلمين المفصولين تعسفيا ووصفهم بالمعلمين المجرمين؛ لتتم مكافأته على تحريضه لاحقا بالترقيات المتتالية وصولا إلى تسلمه الوزارة التي كان الآمر الناهي فيها في السنتين الماضيتين؛ حيث كان وراء القرارات المؤذية في فترة كورونا.

العسكري السابق لم تنته مهمته

وقد انشغل الرأي العام بالتعليق على الوزير الجديد بسبب ماضيه المهني أو الإعلامي السيء فضلا عن تأييده العلني للتطبيع مع كيان الاحتلال، في حين لم يتم الانتباه للمهمة الأخطر التي أحيلت للوزير السابق ماجد النعيمي (67 سنة)، وهي رئاسة مركز الأرشيف الوطني.

المنصب الجديد هو التعيين السابع في سُلَّم صعود النعيمي الذي بدأ في 2001 عندما تم تعيينه وفق مرسوم أميري رئيسا لجامعة البحرين، أمَّا أبرز مناصبه العسكرية قبل هذا التعيين فكانت كالتالي: مدير مكتب القائد العام لقوة دفاع البحرين، وقد شغل قبلها منصب مدير مكتب وكيل وزارة الدفاع.

تاريخيا، ومن خلال تحليل (51 منصبا) من التعيينات الحكومية العامة مابين 1996 - 2022؛ فإنَّ نجم عائلة النعيمي لم يبدأ بالصعود في التعيينات الرفيعة إلا مع 10 فبراير 1996 بعد تعيين أحمد عبد الله النعيمي مديرا لإدارة الشؤون الإدارية والمالية في المؤسسة العامة للشباب والرياضة، أما صعود المناصب العسكرية لعائلة النعيمي فقد بدأ مع سنة 2000.

أمَّا ذروة تطبيق العقيدة العسكرية القتالية لدى الوزير فقد تجلَّت في 2011 بعد هدم دوار اللؤلؤة ولجان التحقيق والتفتيش الكارثية التي طالت العديد من الكوادر التعليمية وأثر ذلك التطبيق في الاعتقالات التعسفية أو الفصل التعسفي -الذي لم تطو صفحته لغاية اليوم- فضلا عن اتساع رقعة التمييز في البعثات التعليمية والترقيات وما طال المناهج الدراسية من تزوير وتوظيف لسياسة القمع الثقافي في بعض المناهج المتعلقة بالتربية الوطنية.

المسألة الوطنية في قطاع التعليم

في 1 أيلول/سبتمبر 1939 قدم (سي. آر. أل. أدريان-فالانس) من بغداد تقريرا إلى الأمير السابق الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، تحت عنوان: (تقرير عن التعليم الرسمي في البحرين مع مقترحات للإصلاح في العام 1939م)، ويرد ذلك التقرير في رسالة مسجلة في الأرشيف البريطاني للوثائق البحريني، رقم: (رقم C/687، مؤرخة في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1939). كما يرد في المجلد الخامس من أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية الأصلية - مركز أوال.

يرد في الفقرة الثالثة من حالات النقص التي يشير إليها التقرير، عنوان: (التدريب على الوطنية): لا يمكننا أن نتوقع إيجاد الولاء في الأشخاص إلا إذا تعلَّموه في صغرهم. ولن تتشبع عقول الطلاب بحس الولاء فقط لأنَّهم يتواجدون في المدارس. فالولاء والوطنية ميزتان يجب تدريسهما في البداية ومن ثم تعزيزهما. طبعا هذه الملاحظة التي وضعت لتكريس حالة الولاء الوطني كانت تشير إلى إصلاحات تتوائم مع المفهوم الصحيح إلى الوطنية، إلا أنَّ الدولة ومنذ ذلك العهد كانت تنشر مفهوما ملتبسا حول الوطنية، فالولاء الوطني -على سبيل المثال- لن يكون متحققا، ما لم تصف المحتجين في دوار اللؤلؤة بالخونة، وبأنَّه لا يحق لهم رفع شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وللحق نقول: فإنَّ الحكومة أخذت من ذلك التقرير القشور ولم تركز على الإصلاح الحقيقي القائم على حماية مفهوم الوطنية بدون لغة القمع السياسي والأمني والثقافي. مثل هذا المنزلق، طُبعت به سيرة وزير التعليم السابق، فانعكست على أداء الوزارة وبعض المناهج الوزارية.

الأرشيف الوطني: المهمة غير المنجزة

 ورد في المرسوم الملكي رقم (69) حول إنشاء مركز الأرشيف الوطني، التعريف التالي: يهدف المركز إلى تجمع الوثائق والمحفوظات العامة والتاريخية التي تختص بتاريخ مملكة البحرين وإبراز قيمتها التاريخية والإشراف على حفظها وأرشفتها وفقاً للأصول العلمية في الأرشفة، والعمل على تنظيم تداولها للباحثين وغيرهم من الراغبين في الاستفادة منها، وذلك بما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة المعمول بها في هذا الشأن.

ليس كشفا القول بأنَّ الحراك السياسي منذ 2011 تزامن مع نمو الحراك الثقافي المرتبط بتدوين وملاحقة الأرشيف الوطني لتاريخ البحرين الحديث من قبل بعض مثقفي ومؤرخي المعارضة السياسية، وهو ما أسهم بإصدار العديد من الدراسات التاريخية التي تقدم سردية جديدة للوقائع التي أثرت على بناء الدولة القبائلية في البحرين، وبأنَّ هذا الحراك الهادي يشكل منطقة أخرى من مناطق الاشتباك الثقافي ما بين المعارضة والحكم، وأنَّ كثيرا من الإصدارات التي طبعتها الحكومة في الفترة الماضية خضعت لدراسات تفنَّد بعضا مما ورد فيها من تزوير، وأنَّ أرشيف تاريخنا الوطني هو اليوم أمام مساحة اشتباك جديدة، تتطلب تطوير الحركة العلمية والثقافية في هذا المجال؛ خصوصا مع إمكانات الدولة الواسعة، والصعوبات التي يواجهها الباحث البحريني المستقل عن الدولة، إنَّنا أمام عسكري سابق أحيلت له مهمة تزيين تاريخ البحرين الحديث من أي سردية تلتقط وقائع القمع أو ما حدث من تخريب رسمي للحاضر الثقافي في الماضي، والمهمة خطرة جدا!.

 وللحديث تتمة،،

 

*رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان