لطيفة الحسيني: كم ضربة يحتاج النظام البحريني بعد؟

درع الجزيرة (أرشيف)
درع الجزيرة (أرشيف)

لطيفة الحسيني - 2023-09-30 - 3:35 م

مرآة البحرين (خاص):

لم تكن الضربة التي تلقّتها قوة دفاع البحرين عند الحدّ الجنوبي حادثةً عرضيةً أو قصةً حزينةً انتهت سريعًا. الضربة تحفُر في سنواتِ الأزمة التي تعيشها مملكة البحرين بفعل سياسات قُصر النظر التي يعتمدها حُكّامها.

يفتح الهجوم على القوة البحرينية المُتمركزة على حدود اليمن الكثير من الأبواب المُغلقة، بدءًا من علّة الذهاب الى هذه الوُجهة، وأصل تبرير مساندة قوات التحالف، وصولًا إلى عُمق مِحنة البلد المتروكة على حالها بلا أيّ تقدّم أو محاولة لرأب الصدع الحاصل بين الحُكم والشعب.

عندما قرّرت البحرين الوقوف الى جانب السعودية والالتحاق بتحالف عدوانها على اليمن، عملت على إخراج الموضوع وكأنها قوّة حزْم ستضرب بيد من حديد مقاتلي "أنصار الله" وتدخّلها سيكون فعّالًا وحاسمًا. المعيار هنا لم يُدرَك ولم يُعرَف. هذه القوّة المزعومة والبطولة المُدّعية لا تنسجم مع استعانة السلطات البحرينية عام 2011 بقوات درع الجزيرة لفضّ المظاهرات الشعبية السلمية التي كانت تخرج في عموم المناطق طلبًا لحقوقٍ مشروعة. المنطق العسكري البسيط يقول إن القوة البحرينية غير القادرة على مواجهة مُتظاهرين في الشوارع، ولا تستطيع الوقوف بوجه معارضة سياسية لها قاعدة شعبية واسعة، وتستغيث بالسعوديين من أجل تنفيذ هذه المَهمّة، هل ستتمكّن من مؤازرة التحالف؟ لا تكافؤ في القدرات. جيشٌ عاجزٌ عن الحسم داخليًا، حُكمًا سيكون عاجزًا عن الاشتباك خارجًا وتحقيق أيّ انتصار أو غَلَبة. وكلّ سنوات الحرب في اليمن تشهد على اندثار أيّ بطولة أو فوز بأيّة معركة.

في الحالتيْن لا نتائج لقتال البحرين في اليمن، ولا لتدخّل السعودية في البحرين. علاوةً على ذلك، بات استمرار وجود درع الجزيرة داخل المملكة بلا معنى. يُقدّر جنودها بنحو 1000، لكنّ هؤلاء عمليًا بلا وظائف، أو بمعنى أدقّ بلا مًهمّات. وفقًا لما يُلاحظه السكان المحليون، لا يعدو نشاط الجنود السعوديين كونه تبديلات من على جسر الملك فهد، ومناوبات لا أكثر ولا أقلّ. لا مواجهات مع متظاهرين على الأرض. لا تصدٍّ يُذكر. أمّا مصاريفهم فمُغطاة بالكامل.

تعلم السلطة ذلك وهي على درايةٍ بما تفعل، غير أنها تصرّ على إيفاد جنودها الى الحدّ الجنوبي مُتحكّمةً بمصيرهم ومُعرّضةً إيّاهم للتهلكة لأنها تعرف أنهم سيكونون هدفًا في أيّ وقت طالما أنهم مُتمركزون بهدف القتال هناك، على الرغم من أن عددهم لا يتعدّى المائة وفق المتداول. هؤلاء هم عناصرها، تختارهم هي كما يحلو لها، تعزل الشيعة عنهم، تجعلهم لونًا واحدًا، سنّةً بلا اختلاط وطني مع أبناء البلد الآخرين، بعقيدة متشدّدة تعكس هوى السلطة. هل نسيَ أحدٌ قتال أفراد من الجيش البحريني في صفوف التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" في العراق وسورية؟

ثمّة من يرى في حِرص السلطة البحرينية على إبقاء عناصر قوة الدفاع في الحدّ الجنوبي تحقيقًا لمصلحة شخصية بحتة، فأموال الدعم السعودي تُحوَّل الى جيْب الملك وعائلته، المستفيد الأول من المبالغ الكبيرة التي تُصرف تحت عنوان مساندة هذه القوات ضمن بند موازنة وزارة الدفاع (وهو بند سرّي).

يعود المأزق الكبير الذي تعيشه البحرين إلى خياراتها غير المحسوبة. تريد أن ترتدي زيّ الرجل الخارق واللاعب الأساسي في المنطقة. فعليًا جلَبت قوات أجنبية لأرضها وحوّلتها إلى مُستعمرة عسكرية يحكمها الخارج من القوات الأمريكية الى البحرية البريطانية الى الجيش السعودي ومؤخرًا الاستخبارات الإسرائيلية.

البحرين تُدار اليوم على الطريقة الأمنية. الأسطول الأمريكي الخامس حاضرٌ لديها.  قاعدة الجفير البحرية حيث القوات الملكية البريطانية أيضًا حاضرة. قوات درع الجزيرة تستبيح البلد، وأضحت في إقامةٍ دائمة. وبات الموساد عقب التطبيع في العام 2020 فاعلًا وعاملًا وناشطًا. كلّ ذلك ليس حبًّا أو إعجابًا بالملك وفِطنته أو أسلوب حكمه، بل لأن الجغرافيا تجعل من أصغر الدول الخليجية جارةً لإيران، أكثر البلدان مواجهةً للأمريكي والصهيوني وحلفائها. عداء إيران يقرّب هؤلاء إلى البحرين، فيعيثون فيها فسادًا ويستغلّونها ويستثمرونها على راحتهم بضوء أخضر"خليفي".

تتعمّق الهوّة بين النظام والشعب. عقيدةٌ أمنية مفرطة. انسياق تامّ نحو اللاعبين الدوليين وتنفيذ لأجندة شخصية ملكية على حساب الوطن وأبنائه. أحوال البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى الأسوأ، والنظام الحاكم ما يزال يُفضّل الى اليوم منح السعوديين والأمريكيين والصهاينة أولوية، من دون مراجعة أخطاء تفضيل الأغراب على الداخل. جدول السلطة خالٍ من بند الإصلاح الشامل من السياسة الى المعيشة، والحسابات في مكانٍ آخر. بالنسبة لها، الغرق في احتفال العيد الوطني السعودي بشكل مبالغ فيه أولى من أيّ شيء. الأهمّ عدم السماح لأيّ دولة في مجلس التعاون الخليجي بالتفوّق عليها بالتزلّف للرياض وملكها ووليّ عهدها. ربّما تريد صبغ البلد بالأخضر، لتبرهن أنها فعلًا مملكة "ريتويت" للسعودي.

متى ينتهي كلّ هذا الهراء؟ متى تتوقّف البحرين عن الانخراط في الصراعات الإقليمية والحروب والالتحاق بمواجهات عبثية هنا أو هناك؟ ألم يحن وقت بناء البلد؟ ألم تتعلّم السلطة من أخطاء الماضي في التعامل مع المطالب الديمقراطية؟ إنها ضربة الصراع في الداخل وضربة الصراع في الخارج.