جاسم آل عباس والبحث في المحظور: سرديتنا لا سردية العائلة

جاسم آل عباس صاحب مدونة سنوات الجريش
جاسم آل عباس صاحب مدونة سنوات الجريش

2023-11-15 - 6:12 ص

مرآة البحرين (خاص): اعتقلت السلطات البحرينية (الجمعة 10 نوفمبر 2023) الباحث المختص بالتاريخ جاسم آل عباس، بعد استدعائه للتحقيق، وقالت وزارة الداخلية في بيان لها إن آل عباس متهم بـ "الطعن في الثوابت الدينية والوطنية للمجتمع البحريني وترويجه معلومات تاريخية مغلوطة من شأنها إثارة الفتنة في المجتمع وتهديد السلم الأهلي".

لدى آل عبّاس مدونة سنوات الجريش، وهو مهتم بالتاريخ غير المكتوب، أو ذاك الذي تتجاهله الدولة عن قصد بهدف تهميش وإلغاء أي وجود للطائفة الشيعية على هذه الأرض قبل مجيء الأسرة الحاكمة، لكن العمل المتواصل والدؤوب لجاسم آل عباس إضافة إلى مساعي فردية أخرى، أفشل مشروع الدولة الذي عملت عليه طوال عقود مضت.

صار المواطن العادي يعرف اليوم الكثير عن المقابر والمدافن الأثرية، شواهد القبور التاريخية، تاريخ حرفة النسيج، طرق البناء القديم، أسماء عشرات القرى التي اندثرت، المخطوطات القديمة وغيرها، والفضل في ذلك يعود إلى أشخاص منهم جاسم آل عباس.

ولأن آل عباس تولّى مهمة تدوين تاريخ البحرين غير المكتوب وغير المعترف به قبل من السلطات، فقد تحول إلى هدف لمضايقات السلطة واستهدافها منذ مدة طويلة، فقد تعرضت مدونته لأكثر من محاولة اختراق للاستيلاء عليها وتدمير محتوياتها، آخرها قبل حوالي 10 أعوام، ما اضطر إلى إغلاقها لفترة قبل إعادتها للخدمة، وقبل 3 سنوات ونيف تعرض آل عباس نفسه للاعتقال، حينها اتهمته السلطات بـ "نشر معلومات مغلوطة" بسبب منشوراته المتعلقة بتاريخ البحرين.

أنشأ جاسم مدونته في العام 2008، وبعد العام 2011 أنشأ صفحة على انستغرام سرعان ما تحولت إلى واحدة من أهم الصفحات على مستوى البحرين، وهي الآن تمتلك نحو 320 ألف متابع، يتداولون منشوراتها الجديدة عبر الواتساب أولاً بأول، لتصبح مادة للنقاشات بين الأصدقاء أو أفراد العائلة في مجموعات تطبيق المحادثات الأكثر شعبية في البلاد. 

لم يتوقع آل عباس كل هذا التفاعل الشعبي مع منشوراته بالتأكيد، لكن الناس كانوا تواقّين لمن يروي قصصهم وحكاياتهم، لمن يدوّن تاريخ أجدادهم، لمن يحفظ روايتهم التي لا تعترف بها الدولة، وسرعان ما أصبح هذا النجاح الكبير خنجراً في خاصرة نظام لا يريد الاعتراف بهذه الطائفة وأي شيء يرتبط بها.

واصل النظام بالطبع مراقبة آل عباس طوال هذه الأعوام، باحثاً عن أي ثغرة لما ينشره كي يتم ملاحقته قانونياً، لم يستطع ذلك، فذهب لما هو أبعد من المدونة، يبحث عن مشاركاته في المجالس والمآتم، خلال المناسبات الدينية والثقافية. لم يعدم النظام الحجة بالتأكيد لاعتقال آل عباس، كان يكفيه الإيعاز لأحد التابعين له في شبكات التواصل الاجتماعي لإشعال القضية عبر التحريض والدعوة لملاحقته، ليقوم بعد ذلك باعتقاله وتوجيه التهم التافهة والسخيفة بحقّه، وعزاء جاسم اليوم أنه يقضي لياليه خلف القضبان ظلماً لا لشيء إلا لأن ما بات يقدمه وينشره أصبح مؤثّراً ونافذاً إلى عقول من يريدون طمس هوية أهم مكوّن في هذا البلد.