رسول الجشي.. المشكوك في كونه بعثياً
مرآة البحرين - 2024-11-29 - 2:25 م
مرآة البحرين (خاص): قبل يومين من موعد انتخابات المجلس التأسيسي (1972)، المقرر في الثامن والعشرين من نوفمبر، بعث القائم بأعمال السفارة البريطانية في البحرين، السيد بي. أي. رفتري برسالة إلى دائرة الشرق الأوسط في الخارجية والكومنولث، أرفق معها قائمة بأسماء المترشحين، لكنه لم يكتفي بتسجيل تاريخ ميلادهم ومستواهم العلمي، وإنما تطرق لانتمائهم الطائفي والسياسي والعنصري معاً، وقد ذكر السفير في تعريفه لـ رسول عبد علي الجشي التالي: "شيعي بحراني من مواليد 1932، خريج تخصص صيدلة من الجامعة الأمريكية في بيروت لعام 1958، وهو إنسان ذكي واجتماعي ومشكوك في كونه بعثياً".
هكذا عرّفت السفارة البريطانية يومها، رسول الجشي، المرشح البارز في كتلة المناضل عبد العزيز الشملان، المشكوك في كونها بعثية، إلى جانب عضوية علي صالح الصالح، وخليفة البنعلي، وحميد صنقور، وحسن الخياط، محمد حسن كمال الدين، صقر الزياني، خليفة المناعي، محمد خليفات، جعفر الدرازي، ناصر محمد المبارك، محمد حسن الفاضل، وعبد العزيز الراشد.
لم يكن الجشي مشكوكاً في كونه بعثياً بل كان كذلك فعلاً، لكن صيغة الريبة التي أوردها السفير في رسالته، تعكس توجس البريطانيين من أن يكون الشخص بعثياً وقتها، حيث ينادي البعث العربي الاشتراكي بشعارات القومية العربية، الوحدة العربية، الاشتراكية العربية، ومعاداة الإمبريالية، في ظروف كان البريطانيون يستعمرون العديد من دول المنطقة، ويتحكمون في أوضاعها السياسية.
يقول معن بشور، الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي، والكاتب اللبناني المعروف، في مقال نشره مؤخراً لنعي رسول الجشي: "كان اسم رسول الجشي يتردد أمامنا كطلاب في الجامعة الأمريكية في بيروت في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، كواحد من أبرز الرموز الوطنية والقومية والديمقراطية البحرينية والخليجية والعربية، جنباً إلى جنب مع كوكبة من كبار الشخصيات القومية البارزة آنذاك في البحرين والكويت والإمارات وقطر وعمان وبالإضافة إلى كبار المناضلين في بلاد الحرمين".
هذا الحضور النضالي للصيدلي الأول في البحرين والخليج، دفع القائمين على فكرة إطلاق المؤتمر القومي العربي إلى دعوته للمشاركة في تأسيس المؤتمر ربيع عام 1990 في تونس.
كان رسول الجشي -بحسب بشور- حريصاً في كل دورات المؤتمر القومي العربي، ودورات المؤتمر القومي الإسلامي، ومؤسسة القدس الدولية، والمركز العربي الدولي، أن يبقى نصيراً لكل مبادرة تهدف إلى وحدة العمل من أجل قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين، التي كانت تمثل بالنسبة إليه، كما إلى كل بحريني وطني ومؤمن، وكل عربي صادق وحر، القضية المركزية.
انتخب الجشي في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي في كل الدورات من عام 1991 إلى عام 2006، وتولى موقع الأمين العام المساعد لشؤون الخليج عام 2000 لمدة ثلاث سنوات، وبقي حاضراً ومواكباً لمعظم دورات المؤتمر إلى أن حال وضعه الصحي دون ذلك.
إلى جانب حضوره القومي هذا، انتخب الجشي عضواً في المجلس التأسيسي (1972) لمناقشة مسودة أول دستور بحريني، وعضوية المجلس الوطني (1973)، وأسس مع رفاقه نادي العروبة (1972)، ورأس النادي في الفترة (2001/2018)، وشغل منصب الأمين العام لجمعية التجمع القومي الديمقراطي المعارضة لدورات عدّة.
على هامش مداخلة له في ندوة "الديمقراطية العصيّة" التي نظمها نادي العروبة العام 2009 لمناقشة كتاب الدكتور باقر النجار بحضوره، ونشرتها منصات النادي مؤخراً، تساءل الجشي يومها كمن يتلمّس عمق المأزق الذي تعيشه الشعوب الخليجية: "هل نستطيع أن نحقق ديمقراطية حقّة في ظل أنظمة كأنظمة الخليج؟".
كان الجشي يلقي بسؤاله وهو يدرك بحدسه الصيدلاني أن لا دواء لهذا المأزق، ثم يضيف بعد ذلك: "سيستمر الصراع من أجل هذه الديمقراطية، ولكن أعتقد أننا في النهاية سنصل إلى حائط من الصعب أن نتعدّاه".
رحل الجشي في الخامس والعشرين من نوفمبر 2024 دون أن يدرك الديمقراطية التي حلم بها، رحل القومي العروبي المعارض بأحلامه التي حملها طوال حياته قبل أن يقدّم لنا وصفة الصيدلاني المشكوك في كونه بعثياً، وأن يجيبنا عن سؤال لابد أنه قضى عمره من أجل أن يجيب عليه: ما هو دواء هذا المأزق؟