بين سجن صيدنايا وسجن جو: الإنسانية لا تتجزّأ
2024-12-12 - 6:57 ص
خلال الأيام الماضية، اتجهت الأنظار الى سجن صيدنايا العسكري في سورية، حيثُ الكثير والكثير من عمليات التعذيب لمُعتقلين أمضوا هناك سنوات طويلة من عمرهم، يُكشف عنها تباعًا.
الحدثُ كبيرٌ في الشام ويفرض نفسه على خريطة المنطقة، لكن الاهتمام الرسمي الخليجي بما يظهر رويدًا رويدًا عمّا فعله النظام الحاكم على مدى أكثر من 40 سنة يدعو للتعجّب. الغيرة والفزعة التي أبداها حكام الخليج تجاه معتقلي رأي في سورية ليست مُقنعة. حنانٌ مُستجدّ وحرصٌ مُفتعل في عواصم خليجية تجاه مواطنين سوريين تعرّضوا للأذى كما تُبيّن الوقائع.
في البحرين، الاهتمام واضح بالحدث السوري كباقي الدول. الموقف الرسمي يقول إن المملكة "تُساند تطلعات الشعب السوري الشقيق للأمن والاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية المستدامة". أمّا المواقف الشعبية أو تلك الشخصيات المؤثّرة على مواقع التواصل الاجتماعي فتواكب بالتضامن مع "ضحايا" النظام في السجون.
أسئلةٌ عدّة تُطرح على كلّ متعاطف في البحرين مع المُفرج عنهم من صيدنايا:
- كيف يمكن أن يهتمّ بحريني واحد على الأقلّ لسجين رأي عربي أو أجنبي، اذا افترضنا أن كلّ نزلاء صيدنايا معتقلون سياسيون وليس بينهم محكومون جنائيون، في ظلّ بقاء مئات المعتقلين السياسيين البحرينيين في السجون؟
- كيف ينفصل كلّ من يتعاطف في البحرين مع المعتقلين السياسيين عن واقع بلده، ويتعامى عن معاناة قديمة جديدة اسمها السجن السياسي والمؤبّدات والتوقيفات المتكرّرة وصولًا الى ظروف السجن السيّئة وغير العادلة؟
- كيف تتجزّأ الإنسانية ومعاييرها في البحرين حصرًا؟ وكيف لا تشمل معتقلي الرأي في المملكة؟
- كيف لا يستوي منطق الدفاع عن سجين رأي في أيّة دولة كانت، مع ما يعيشه كلّ من خرج لإعلان موقفه المعارض للسلطة في مملكة آل خليفة؟
صحيحٌ أن أعداد معتقلي الرأي في البحرين لا تصل الى تلك المُتداولة في سجن صيدنايا، وصحيحٌ أن مستوى تعاطي السلطات الإجرامي هناك يفوق ما يواجهه نزلاء سجن جو، إلّا أن الظلم ثابتٌ في الحالتيْن، غير أن هذا الملفّ لم يُقفل في البحرين الى الآن فلا ضمانات من الدولة أو وعود جديّة بأن ينتهي هذا البؤس والألم، أو ألّا يتكرّر في المستقبل، على الرغم من الإفراجات الموسمية التي حصلت في المرحلة الماضية.
القاعدة الثابتة هي أن كلّ نظام خليجي يفرض سطوته البوليسية، ويمارس القمع ويُغيّب الحوار مع مُعارضيه، قادرٌ على شراء أصوات تُدافع عنه في الإعلام وغير الإعلام، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المنابر الحقوقية العالمية، لتبييض صفحته. النموذج السعودي حاضرٌ هنا ومثالٌ كيف أن كلّ فظائعه وجرائمه بحقّ معارضين سياسيين مُغطاة إعلاميًا مقابل إغراق القنوات الفضائية بالأموال وإلهاء الجمهور العربي بمواسم الترفيه والخلاعة.
يقول الشاعر العراقي مظفّر النواب في إحدى قصائده "فَـهَذا الوَطَنُ المُمْتَدُّ مِنَ البَحْرِ إلى البَحْرِ.. سِجُونٌ مُتَلاصِقَةٌ.. سَجَّانٌ يُمْسِكُ سَجَّانْ". وهكذا هي العواصم العربية ومنها الخليجية مُعتقلاتٌ متنقّلة تتفنّن في انتهاك حقوق الإنسان والتعبير عن الآراء السياسية.