» رأي
حديث الاثنين في الغرف المغلقة حول أزمة البحرين
يوسف مكي - 2012-11-27 - 8:31 ص
يوسف مكي*
في بداية شهر مارس 2011 قال المسؤول الكبير في النظام البحريني لحليفه الأمريكي: اتركونا وشأننا مع المحتجين، لا تقولوا احترام حقوق الإنسان، ولا تمنعونا من قمعهم، ولا تحسبوا ما يحدث في البحرين من ضمن الربيع العربي، ولا تمنعونا من القيام بما يلزم. أنتم الأمريكان، لا تعرفون شعب البحرين، فنحن نعرف كيف نتعامل معهم، وقد سبق لنا أن تعاملنا مع من سبقهم من حركات وانتفاضات وتمردات، منذ أن قمنا باحتلال هذه الأرض قبل أكثر من قرنين، فالسيف كان هو الفيصل.
فتح المسؤول الأمريكي عينيه على اتساعهما وسأل صديقه البحريني: ماذا تقصد؟ هل ستقومون بقمع الحركة الاحتجاجية وتقتلون الناس؟ نحن نتحفّظ على ذلك، وقلقون. أجاب المسؤول البحريني: نعم هذا ما قصدته، ومعنا أيضًا الشقيقة الكبرى، فقط نريد منكم كحلفاء أن تدعمونا، أو على الأقل أن تسكتوا على ما سنقوم به، مجرد عملية نظيفة، وسنثبت لكم بالملموس أن اللغة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء المحتجون هي لغة الرصاص ولغة التطهير، أو لغة السيف، كما كنا نقول في بداية عهدنا بهذه الأرض، ونحن أيضًا لا نعرف غير هذه اللغة، فقد تعلمنا من الأجداد. اتركونا لفترة وسنثبت لكم بأن لغة القمع، كما تسمونها أنتم، ستنهي كل شيء.
أضاف المسؤول البحريني: لدينا تجربة تاريخية مديدة في ذلك، فلقد تعاملنا مع آبائهم وأجدادهم بلغة السيف أوّلًا، ثم بلغة النار والبارود ثانيًا، حيث أفلحت هذه اللغة في كل الأحوال في القضاء على كل تلك الاحتجاجات والتمردات المتكررة منذ أكثر من مئتي سنة. وأردف المسؤول البحريني لا نريد منكم سوى تغطية سياسية مستمرة على ما نقوم به من انتهاكات وجرائم تجاه المحتجين كما تزعمون.
فيما يبدو، اقتنع الحليف الأمريكي بحكاية المسؤول البحريني وقال له: نحن ليس لدينا اعتراض على مواجهة هذه الحركة بما تقولون أنه الأسلوب الأمني والقمعي، بما أنكم جربتموه على امتداد أكثر من قرنين، ولكن بشرط أن يتم ذلك بسرية تامة، وبعيدًا عن الأعين ووسائل الإعلام و(الشوشرة)، وبسرعة خاطفة، وسنغُضّ الطرف عن تدخّل قوّات السعودية، وسنعتبره شرعيًا، وكأن شيئًا لم يحدث، ودون ذلك –دون السرعة في الحسم - ستقع إدارتي/ إدارة أوباما في حرج شديد. أجابه المسؤول البحريني: لا تهتم، سنقوم بسحقهم بجيشنا الباسل من الأرض والجو والبحر في دوّارهم وهم نائمون، وبسرعة خاطفة كما تريدون، وسيعود كل شيء إلى عهده السابق، وعندها سيرتاح الجميع، أنتم ونحن من وجع الرأس هذا.
صدّق الحليف الأمريكي حليفه البحريني، وترك له العنان ليفعل مايشاء، وحدث ما حدث تجاه المحتجين في ليلة 16 / 3/ 2011 وما تلاها. واستمرت لغة القمع مفتوحة في الزمن، وفُتحت السجون لاستقبال المحتجين. مضى العام الأول، 2011، على الانتفاضة، ولم يستطع النظام الخليفي بكل آلته الحربية والأمنية، والدعم اللوجستي لأشقائه، والسكوت الأمريكي على جرائمه، أن يوقف الحراك الشعبي، بل ازادت وتيرة هذا الحراك، وها هو العام الثاني، 2012، يوشك على الانتهاء والثورة مستمرة ، والنظام واقع في (حيص بيص).
عاد الحليف الأمريكي، وقد وجد أن تقديرات النظام الخليفي خاطئة، ليقول لحليفه البحريني: لقد مضى عامان ولم تتمكنوا من إنهاء الثورة، لم تنفع آلتكم الحربية ولا قمعكم الرهيب، باختصار لم تنفع طريقتكم التي ورثتموها عن آبائكم وأجدادكم الأولين في قمع وإنهاء حركة 14 فبراير. وأضاف: إننا نشعر بحرج شديد تجاه الرأي العام للشعب الأمريكي والمجتمع الدولي، ويُنظر الينا أننا ندعم نظامًا استبداديًا قبليًا ضدّ تطلّعات شعبه المشروعة، وفي الوقت نفسه نقف ضد أنظمةٍ استبدادية أخرى، ومن نفس الشاكلة، ونتشدّق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
أكثر من ذلك أننا قمنا بالتغطية على انتهاكاتكم على مدار حوالي سنتين من القمع لشعبكم، ومن أجل تغطية ما تقومون به من انتهاكات فاضحة، فإننا نصحناكم بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، بدلًا من رفع ملفكم إلى المنظمات الدولية، وبالتالي إلى مجلس الأمن، وقمنا بتغطيتكم في مجلس حقوق الإنسان، المرة الأولى في مايو، والثانية في سبتمبر الماضي، وأقنعنا العديد من الدول، من خلال مسؤول شؤون حقون الإنسان في خارجيتنا، بأنكم ستنفذون التوصيات التي وافقتم عليها في مجلس حقوق الإنسان، لكنكم لم تلتزموا بتنفيذ أي توصية جدّية من توصيات جنيف ال 76. وقلتم أيضًا بأنكم جادّون في إجراء حوارٍ حقيقي، ولم تفعلوا، بل ماطلتم، ووافقتم على توصيات لجنة بسيوني ولم تنفذوها، وتدخّل سفيرنا لديكم بالحسنى، لحثكم على التوقف، وبشكلٍ ناعم وودّي عما تقومون به من علاج أمني إزاء المحتجين، وأن تتوقفوا عن منع المسيرات والمظاهرات، وإطلاق سراح الأطباء ونشطاء حقوق الإنسان، وفبركتم كثيرًا من العمليات الإرهابية ونسبتموها إلى المعارضة، ولم نصل معكم إلى نتيجة.
لقد ثبت لدينا بالملموس أن طريقتكم التي كنتم تعالجون بها التمردات والاحتجاجات فيما مضى لم تعد مفيدة ولا مجدية في منع الاحتجاجات، أو إيقاف الانتفاضة الشعبية في الفترة الراهنة، فالعالم تغير، ووسائل التواصل أسرع مما كنتم تتصورون، وكشف انتهاكاتم لا يمكن التستر عليه كما في الماضي، فكل شيء بات معروفًا ومكشوفًا للعالم، وطريقتكم أصبحت بالية وتعود إلى عقلية القرن الثامن عشر.
ردّ المسؤول البحريني بالقول إلى حليفه الأمريكي: بصراحة كان الشيوخ يتوقعون أن تنتهي الحركة في بضعة أيام، لأن الضربة كانت قوية جدًا ومباغتة للمحتجين، وفي سرية تامة، وبسرعة خاطفة، إلا أننا فوجئنا بحجم المقاومة الشعبية، وعلى الرغم من استخدام كافة الأساليب القمعية، بما في ذلك الأساليب غير الأخلاقية، في التعامل مع المحتجين، لم نتوقع أن المسألة ستطول الى هذا الحد. الحقيقة نحن في ورطة، ولم نتوقع أنْ ستكون ردود الأفعال الدولية بهذا المستوى، وأنّ الاحتجاجات ستتسع.
أجاب المسؤول الأمريكي: لقد غطينا على انتهاكاتكم، وأوصينا إعلامنا وإعلام الأصدقاء بعدم تغطية ثورة البحرين دون فائدة. ونحن أيضًا في ورطة بسببكم.
رد عليه المسؤول البحريني: لا، نحن الذين في ورطة بسببكم .
أجابه المسؤول الأمريكي: نحن حميناكم، وأظن أنكم السبب في ورطتكم، لأنكم تحكمون بأساليب قبلية تجاوزها الزمن.
رد المسؤول البحريني وقال: لا نريد تبادل الاتهامات، سأختم حديثي بكلامٍ سرّي وليس للنشر، وسأقول رأيي بصراحة، وهو أن المشكلة تتجلى في: التقاء المصالح الأنانية للقبيلة من جهة، والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في هذه المنطقة من جهة أخرى. بمعنى أننا كنظام قبلي، لا نريد أي نوع من الإصلاح، أو الاستجابة لمطالب الشعب التي خرج من أجلها، وأنا أعتقد أنها مطالب محقة وعادلة، وأنتم، كبلد كبير له مصالح استراتيجية في منطقة الخليج والجزيرة العربية، لستم جادين في إحداث إصلاح حقيقي في هذه المنطقة، ذلك أن الإصلاح الحقيقي يضر بمصالحنا المشتركة، أقصد نحن، الشيوخ، وأنتم، الأمريكان، لنا مصالح في دوام الحال.
المسؤول الأمريكي: هذا صحيح، وأنا أشاطرك الرأي فيما تقول، ولكن هذا رأينا الشخصي، ولا يجوز أن نعلنه، وليس رأي حكومتينا، فقط في الغرف المغلقة، وليس بشكل رسمي، أو للنشر.
ولكن الحيطان لها آذان، والأسرار باتت معروفة للقاصي والداني .
خرج المسؤولان من قاعة الاجتماعات، وإذا العالم يعرف ما دار بينهما، بما في ذلك ما اعتبراه رأيًا شخصيًا، أو سرًا لا يقال بشكل رسمي، ولا يبوح به مسؤول إلا في غرف مصمتة وبعيدًا عن وسائل الإعلام. ولكن هذه هي الحقيقة في القضية البحرانية منذ 14 فبراير 2011 حتى الآن برغم محاولات التمويه والتشويش والتواطؤ والتستر عليها.
إنه النفاق الأمريكي، متضافرًا مع الممارسات الاستبدادية للنظام الحاكم في البحرين. فهل يعيد الأمريكان النظر في مواقفهم من الحراك الشعبي، وأن مصالحهم مع الشعب لا مع النظام. لا جواب لدينا، ولكن هذا ما ستجلوه الأيام.
*باحث بحريني في علم الاجتماع.