» رأي
قمة مجلس التعاون: قمة الهروب من المكان ومن الزمان
يوسف مكي - 2012-12-31 - 8:13 ص
يوسف مكي*
قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحمل رقم 33، أما المجلس كهيكل وتنظيم، فقد مضى عليه أكثر من ثلاثة عقود، وهي مدة ليست قصيرة من أجل إنجاز كثيرٍ من تطلعات شعب/ شعوب الخليج. لكن ما تم إنجازه خلال هذه المدة هزيل جدًا، وهذا بطبيعة الحال له أسبابه، التي تعود في المقام الأول إلى طبيعة هذه الأنظمة، التي تمنع قيام هذا الجهاز بإنجاز تطلعات شعوب الخليج، لأن الأنظمة القبلية لا تستطيع بناء وحدة حقيقية. إن أقصى ما تستطيعه هو بناء تحالفات قبلية بواجهة حديثة، أي تحالفات ووحدة قبائل (قائمة على العصبية) وليست وحدة شعوب، لأن هذه الأخيرة هي آخر شيء يفكر فيه الحكام في هذه الدول.
أما فيما يتعلق بالقمة الأخيرة، التي انعقدت في البحرين يومي 24 - 25 من شهر ديسمبر 2012، فيمكن إبداء الملاحظات التالية عليها:
أولًا- أجواء القمة:
لوحظ أن انعقاد القمة كان في مكان بعيد عن الأضواء، أضواء الإعلام وأضواء المدينة. حيث عُقد في قصر الصخير، بعيدًا عن العاصمة. كما أن ضيوف القمة تم استقبالهم في قاعدة جوية نائية في جنوب البحرين، أي من القاعدة إلى القصر، وهذا على غير عادة النظام في مثل هذه المناسبات. وهذا في الحقيقة أيضًا له دلالته المتمثلة في عدم رغبة الحكم في إقامة هذا التجمع في أحد فنادق المنامة الفخمة، وهي على مبعدة من حراك الشارع البحريني وسخونته. والنظام، بعقده القمة في قصر الصخير، واستقباله الوفود في القاعدة الجوية الصحراوية بدلًا من مطار البحرين، كشف للقادة وللوفود ما كان يريد إخفاءه، وهو استمرار الحراك الشعبي الميداني المطالب بالديمقراطية منذ قرابة سنتين.
ثانيًا- مستوى القمة:
جاءت هذه القمة وكأنها صفعة للحكم في البحرين، بسبب مستوى التمثيل فيها، فباستثناء أمير دولة الكويت، لم يحضر ملوك وأمراء وسلاطين الدول المشاركة. وهذا له أكثر من دلالة؛ فهذه القمة، التي عوّل عليها الحكم بأن ستعطيه مزيدًا من التغطية على سياساته المعادية لشعبه، قد خيبت أمله، بسبب عدم حضور القادة، وبالتالي كشفت عن اختلاف بعض الأنظمة الخليجية مع نهج النظام في معالجته للانتفاضة الشعبية. وأيضًا عدم حضور القادة كشف عن تباين في المواقف السياسية والإقليمية بين هؤلاء القادة من جهة، والنظام البحريني من جهة أخرى. كما كشف عن المبدأ الأصيل في البنية القبلية لهذه الأنظمة، والمتمثّل في عدم قدرة أنظمة القبائل على بناء أوطان. وعليه فإن هذه القمة تعتبر من أكثر قمم مجلس التعاون هزالة، فهي قمة، ولكن دون قمة.
ثالثًا- محتوى القمة:
وطالما غاب عنها معظم القادة، فذلك يعني أنها ليست قمة قرارات مهمة وتاريخية في سياسات الدول الخليجية، أو أنها قضايا سبق أن تمت مناقشتها ولم يصلوا فيها الى نتيجة ملموسة على امتداد سنوات.
فالتعاون العسكري موجود منذ سنة 1981، ولا يحتاج إلى قمة، والوحدة الاقتصادية متعثرة، بسبب السياسات المتباينة للدول في كثير من خططها الاقتصادية، كما أن الأمور الأقل من الاتفاقية الاقتصادية، مثل التعرفة الجمركية، والعملة الخليجية، لم يستطع حكام هذه الدول إنجازها على امتداد 30 عامًا. أما التوصية المتعلقة بحماية البيئة، فهي موجهة إلى إيران، ومتعلقة بالمفاعلات النووية، بينما البيئة القُطْرية والإقليمية كانت في معظم الأحيان غائبةً عن أجندة مجلس التعاون الخليجي، ولم تكن البيئة حاضرة في سياسات هذه الأنظمة.
قضايا لا تصب في مصلحة المواطن، إنما في مصلحة أنظمة القبائل، وتعزيز احتكارها للسلطة والثروة والأمن، خاصةً إذا تساءلنا عن التعاون العسكري المطروح على القمة ضدّ منْ، والكل يعرف أن هذه الأنظمة قد أوكلت أمنها الإقليمي إلى الحليف الأمريكي، كما أثبتت الأحداث التاريخية أنها أنظمة سياسية غير قادرة على حماية نفسها ولا حماية شعوبها.
لقد غابت الأزمات والمشاكل السياسية والاقتصادية الطاحنة في هذه البلدان، بل غابت عن جدول أعمال القمة الأزمة السياسية الطاحنة في البحرين، والأزمة السياسية في السعودية، وخاصةً في المنطقة الشرقية، وهي قضايا داخلية من المفترض مناقشتها من قبل المؤتمِرين، ولكن ذلك لم يحدث؛ فقد أشاحوا بوجوههم عنها، وهربوا إلى قصر الصخير.
رابعاً- الهروب في الجهات الأربع:
ولأن ممارسات أنظمة دول الخليج، كنهج سياسي، ينطبق عليها المثل السائر (نجار وباب بيته مخلّع) فإنها تناقش كل شيء إلا ما يتعلق بمشكلاتها الحقيقية والداخلية. لذلك فهي تناقش ثورات الربيع العربي عمومًا، وتناقش الوضع في سوريا، وتناقش الوضع في ميانمار (بورما) ومصير الروهينغا المسلمين. لكن هل نصدق أن دول المجلس في قمتهم الأخيرة حريصون على مصالح الشعب السوري، وأن هذه الدول تريد له الديمقراطية، في حين أن النظام البحريني يمارس مختلف صنوف القمع تجاه شعبه، وبنفس ما يمارسه شقيقه النظام السوري؟
في هذه الحال لا يمكن للمرء أن يصدّق حرص هذه الأنظمة على الشعب السوري. حقوق الشعوب واحدة في سوريا والبحرين وميانمار وفي المنطقة الشرقية، وفي كل مكان، لكن ذلك لا يجوز في عرف قمة التعاون الخليجي، قمة تُعلن وصفات للآخرين في شؤون الديمقراطية، لكن شعوبها مكتومة الأنفاس، وخاصة الشعب البحراني، وكان أحرى أن يكون في صدارة جدول أعمال القمة، لا أنْ تطير القمة إلى سوريا وميانمار، مع تعاطفنا ورفضنا المطلق لما يحدث لهم/ الروهينغا هناك. فهل الروهينغا أقرب مما يحدث لشعب البحرين ليتم تجاهل قضيته؟ وهل ما يحدث للروهينغا أقرب مما يحدث لأهلنا في المنطقة الشرقية؟ عجيب أمر قمة مجلس التعاون، يسقي البعيد ويترك القريب ظمآنًا.
القمة الثالثة والثلاثون، يمكن أن نصفها بأوصاف كثيرة، إلا أن أهم توصيفٍ لها بعد الملاحظات السابقة أنها قمة الهروب من الجعرافيا/ المكان، حيث انعقدت في الصحراء، وبعيدًا عن ما تمور به مدينة المنامة من سخونة. هروب النظام في البحرين من الواقع المرير يؤكده بهذا الهروب المكاني، لا ينفيه، ويبرزه، لا يلغيه. وفي نفس الوقت هي قمة البحث عن قضايا لا تقدّم في وضعية شعوب المنطقة، بل تؤخر الاستحقاقات الحقيقية والجوهرية التي تطالب بها شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب البحراني.
بالفعل إنه الهروب، بكل ما تعني الكلمة، عن مواجهة الحقيقة، والبحث عن بدائل غير مفيدة لشعوب المنطقة. والهروب من المكان يعني الهروب من الزمان، أي هي أبعد ما تكون عن نبض شعوبها، فواقع الشعوب في وادٍ والقمة في وادٍ آخر. بهذا المعنى هي قمة لا تستحق كل هذا الضجيج، وهذه المصاريف من المال العام، ولا تعبّرعن تطلّعات شعب الخليج، بقدر ما تعبر عن مدى الاستخفاف بمقدرات هذه الشعوب وباسمها للأسف الشديد.
* باحث بحريني في علم الاجتماع.