» رأي
2013: أين الملك؟
عادل مرزوق - 2013-01-05 - 3:08 م
عادل مرزوق*
يقف ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة يتوسطه أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان والأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف، ممسكين بأيدي بعضهم البعض في تسوية سياسية تاريخية تؤسس لانتقال ديمقراطي في البلاد. هل يقنع هذا المشهد أحداً؟ والأهم من ذلك: أين الملك؟
أين يمكن أن يكون ملك البلاد في مثل هذا المشهد؟ وهل تستطيع قوى المعارضة في الداخل أن تجيب على مثل هذا السؤال؟ وإن لم تكن كذلك، فأي حوار ذلك الذي قد يقوده ولي العهد منفرداً، وبعيداً عن إرادة أبيه؟!
المكاسب القلقة
على الأرض: ودع البحرينيون العام 2012 بمشاعر تبدو باردة. قد يكون عاما فارغا بحسابات السياسة وجدل تسوية ولي العهد المؤجلة، مرة بعد أخرى، إلا انه كان أيضاً، عام اختبار صعب وشاق، استطاع حراك 14 فبراير - بما قدمه أبناء الساحات - أن يمر منه بنتائج جديرة بالوقوف، والاهتمام.
أبرز المكاسب التي حققها شارع المعارضة خلاف التدليل على قدرة اللعب وفق سياسة (النفس الطويل) التي يجيدها النظام وغالباً ما كانت رهانه الرابح، هي تلك الالتزامات الدولية التي باتت تثقل كاهل العائلة الحاكمة، يضاف لها الضغط الدولي المتزايد من جانب الحليفين الغربيين (الولايات المتحدة وبريطانيا) والمؤسسات والمنظمات والهيئات الحقوقية الدولية.
الأكثر من ذلك، أن دعاية النظام التي ساندتها مجموعة من بيوت الخبرة الدولية في العلاقات العامة والإعلام والتسويق السياسي لم تستطع التقليل من حضور الملف البحريني بكامل تعقيداته، حضور تسبب في خسائر فادحة للمؤسسة الحاكمة على صعيد صورة الملك ومشروعه الإصلاحي الصورة/ التخريبي المضمون في البلاد، ورغم عديد المحاولات وكبير الإمكانيات التي وظفتها وزارات ومؤسسات الدولة للمرور من نفق الأزمة وفق قاعدة: البحرين تخطت الأزمة، لا تزال مؤسسات المعارضة بأدواتها البسيطة وإمكانياتها المحدودة المتحكم الحقيقي بفضاء (الحقيقة) في البحرين، وتبيان تفاصيل الحدث اليومي الذي يؤكد أن ملف 14 فبراير لا يزال مفتوحاً.
منجزات استطاع حراك الشارع الظفر بها رغم استمرار الغطائين الإقليمي والدولي في تقديم العون والتغطية السياسية والاقتصادية اللازمة للنظام. وإذ كان الأخير يسعى أن يخرج من العام 2012 بطي ملف لجنة بسيوني – الوصفة الأمريكية لإنهاء الأزمة في البحرين – دون تقديم أية تنازلات سياسية حقيقية، ها هو يحمل اليوم معه توصيات المراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الإنسان. حيث يتموضع تقرير بسيوني وتوصيات جنيف كطوق لبسه النظام عن طيب خاطر!
يعكر صفو احتفاء المعارضة بنتائج ونجاحات حراكها الحقوقي، حقيقة قارة لدى العديد من أطياف المعارضة، وهي أن الحراك الحقوقي – رغم أهميته – لا يمكنه إنجاز تسوية سياسية مرضية، خاصة وأن انتظارات الشارع كانت – ولا تزال – كبيرة.
ومن جهة اخرى، لا يمكن إنكار أن (الاشتغال) بالملف الحقوقي والتركيز عليه يمثل في طياته انشغالاً سلبياً عن الملف السياسي. اعتقاد يعززه أن بلداً لم يشهد انتقالاً ديمقراطياً بأدوات اللعب على ملفات حقوق الإنسان وضغوط المنظمات الحقوقية الدولية المعنية. وهكذا - إجرائياً - تختفي (وثيقة المنامة) لصالح تعويض الضحايا وإعادة المفصولين، وتتحول الأنظار عن الحكومة المنتخبة لصالح الحكومة الانتقالية، ولئن كان البعض يرى أن التسوية السياسية مرتبطة – بطريقة أو أخرى – بالتنفيذ (الأمين) لتوصيات (بسيوني) و(جنيف).
الملك: ميزان الربح والخسارات
خلال العام 2012، أعاب المراقبون على الدبلوماسية الدولية (نعومة) الضغط على المؤسسة الحاكمة والملك، ورغم ذلك، لا يمكن التغافل عما أثارته تنقلات الملك في العواصم الأوربية من متابعات صحافية دولية ناقدة، واستمرار رفض (واشنطن) استقباله رسمياً.
إجرائياً، لم يعد الملك يجرؤ على إعلان جدولة زياراته خارج الإقليم، ولا تبدو إقامة الملك حمد بن عيسى ال خليفة في باريس (خلسة) قبيل زيارته للندن للمشاركة في احتفالات الملكة اليزابيث بيوبيلها إلا دليل على ما يعيشه الملك من عزلة سياسية دولية، خصوصاً إذا ما قورنت زياراته (السرية) بعربات الخيول التي طافت (ويستمنستر) احتفاء بزيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.
النظام حقق مكاسب هامة لا يمكن إغفالها حتى وإن كانت مكاسب وقتية ومحدودة. نجح النظام في فرض سيطرته الأمنية على الساحات وفضاءات الحياة العامة مستفيداً من الجغرافيا المحدودة للبلاد، لكن هذه السيطرة الأمنية تعرضت للخرق مئات المرات، وهو ما جعله أمام خيارين: إما زيادة المظاهر العسكرية والأمنية في شوارع البلاد بما يؤكد اضطراب الأوضاع، أو السماح بمسيرات المعارضة الكبرى التي تتناقلها وكالات الأنباء وشاشات التلفزة العالمية، وفي تعاقب النظام بين الخيارين، كانت حركة الشارع ومطالبها من تحقق المكاسب، الجولة تلو الأخرى.
المعارضة دون نبيل: أضعف
النظام استطاع أيضاً تحجيم القلق الذي كان يمثله وجود رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب والنشطاء زينب الخواجة ويوسف المحافظة إما بالاعتقالات أو المحاكمات القضائية المتتالية، ويعاب على المعارضة في هذا الشأن أنها لم تتفطن لخطورة إفراغ الشارع من الكوادر الحقوقية المدربة والمعترف بها دولياً.
ورغم ذلك، لم يفلح النظام في تغليف انتهاكاته الحقوقية عبر مؤسسته القضائية المرفوضة دولياً، ولم تلق موجات تخفيف الأحكام على المعارضين أو إصدار الأحكام (الصورية) على المتهمين بقضايا القتل والتعذيب أي تقدير كما كان النظام يتوقع، بل تركزت جميع البيانات الصادرة عن بيوتات المنظمات الحقوقية على إدانة المؤسسة القضائية وأحكامها، والتأكيد على أن سياسة الإفلات من العقاب في البلاد، هي ثقافة لم تتغير.
يضاف لمشاكل النظام التي تصاعدت خلال العام 2012، التهتك والانقسامات التي بدأت تعصف بتجمع الوحدة الوطنية (تجمع الفاتح) يوماً بعد يوم، فالانقسامات الداخلية واتهامات التخوين المتبادلة بين قيادات التجمع مثلت تحدٍ آخر للنظام.
كان النظام يسعى لإخفاء وإسكات تجمع الوحدة الوطنية بعد الانتهاء من مهمته المخطط لها في طأفنة الصراع السياسي والوقوف كحائط صد امام المعارضة ذات الأغلبية الشيعية، لكنه لم يكن يتوقع ان يفضي تفكيك التجمع لخلق هذه (الفوضى) التي باتت تشكل ورقة ضغط على النظام ذاته.
خسائر المعارضة
قد يكون المكسب السياسي الأبرز للنظام هو نجاح برنامجه الإعلامي في تشطير قوى المعارضة أكثر وأكثر، خصوصاً مع إعلانات الحوار المبرمجة التي غالباً ما كانت تتسبب في تمزيق وحدة صف المعارضة، يضاف لذلك ما يمكن تسميته بمرض (تفريخ) المؤسسات السياسية والحقوقية من جانب النشطاء السياسيين والحقوقيين في المعارضة والتي غالباً ما تتسبب في توزيع الجهود وإضعاف ما هو قائم من مؤسسات سياسية ومراكز حقوقية.
وفي حين يقلل الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان من أهمية الاختلافات داخل بيوتات المعارضة، مؤكداً أنها الحالة الطبيعية في أي تجربة، يرى مراقبون آخرون أن واقع الملف البحريني بتعقيداته وصعوباته وتحدياته القائمة لا يحتمل مثل هذه الانشقاقات، خصوصاً وأنها تزداد بوتيرة تنذر بتحولها إلى أن تكون (الغول) الذي يأكل شارع المعارضة، دون أن تدري.
الانتقاد الأبرز لقوى المعارضة على اختلافها ما بين قوى (الإسقاط) وجمعيات (الإصلاح)، أن أحداً من الفريقين لا يملك برنامج عمل حقيقي. وفي حين أن لكل معسكر من المعسكرين وصفةprescription تجعله القطب الأقرب من الواقع والواقعية. ولكل معسكر من (اللوجيك) ما يحتاج لتبرير أحلامه وطموحاته، إلا أن أحداً منهما لا يملك (برنامج العمل) لتحقيق ما يؤمن به من أهداف. وعليه، تبقى آلية (ردة الفعل) هي السائدة تجاه أي متغير يطرأ على المشهد السياسي. ويستفيد النظام الحاكم في هذا السياق من أنه يواجه معارضة (باردة) الطباع، ليس لديها – فعلاً – ما تخفيه!
لم تكن المعارضة البحرينية يوماً ما أليفة مع ما تقتضيه فضاءات العمل السياسي من آليات وأنماط عمل، وفي الوقت الذي تعج فيه مؤسسات المعارضة بالأحلام والطموحات المشروعة - وبالمؤسسات السياسية والحقوقية والإعلامية مؤخراً - ولديها كامل الاستعداد لتتصارع عليها وفيها، لا يبدو أن ثمة شيء موجود لتتصارع عليه! وهكذا، تبدو صراعات قطبي الإصلاح والإسقاط كصراع الصبيين المتناحرين على حلم أن يكون لأحدهما مزرعة وخراف، وللآخر ذئاب مهمتها أن تفتك بخراف الآخر! يتصارع الصبيان، وما من خراف في المزرعة وما من ذئب يعيش في الجوار.
بالنسبة لجمعية الوفاق كبرى جمعيات المعارضة وأبرز الأقطاب السياسية في البلاد، تصارع الجمعية لإدارة ملف الأزمة محكومة بحبال التحالف السياسي الهش مع الجمعيات السياسية في التيار الوطني أولاً، ومسايرة شارعها المتحفز والحالم ثانياً، والتنسيق مع العواصم الغربية والتعامل مع مفتاح تسوية ولي العهد ثالثاً. وهي مهمة شاقة في التموضع، وصعبة في القدرة على إرضاء الأطراف كلها مجتمعة.
يدير أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان كل هذه المعادلات، ينجح مرة، ويخفق في أخرى. لكنه على أي حال، لا يزال وجمعيات المعارضة في الداخل يبحث عن شراكة حقيقية في مؤسسة الحكم لإنجاز التسوية السياسية التي يريد.
الذي يقلق الوفاق وباقي جمعيات المعارضة هو أن شريك الحكم المأمول بعيد عن المشهد السياسي، وسواء أكان ولي العهد – المفتاح المفترض - غائباً أو مغيباً فإن الجمعيات تضاعف خساراتها مع كل مرة تتقدم فيها بإيجابية مفرطة من دعاوى الحوار التي باتت كـ "الفخ" الذي تبادر عن طيب خاطر الى الوقوع فيه. تراهن الجمعيات في هذه الجزئية على الراعي الدولي الذي لن يقبل بأي ردة فعل سلبية تجاه دعوات الحوار، وهو تبرير مقبول ما خلا أنها – أي الجمعيات – لم تتحصل في أي مرة أخل النظام فيها بتعهداته على (تعويض) مجزٍ أو ضغط دولي على النظام يوازي خسائر بيتها الداخلي.
2013: ما العمل؟
لا يبدو أن الرهانات في العام 2013 تختلف عن العام الفائت، وليس ثمة ما يحيل إلى أن شيئاً قد يطرأ على المشهد السياسي في البلاد. وعليه، قد يبقى فضاء العملية السياسية مرهوناً بالمتغيرات الإقليمية والضغوط الدولية، التي قد تجبر مؤسسة الحكم في البحرين على الذهاب لتسوية سياسية، تحقق ما يشفع للمعارضة القدرة على إقناع شارعها بالقبول بها. وأمام التسوية المفترضة تقف تحديات جدية قد لا يكون المرور منها متاحاً، ليس أقلها ملك البلاد ذاته، الذي يتحمل مسؤولية كل ما كان، أو سيكون.
وفي الحقيقة، يؤكد مراقبون سياسيون أن لا فرصة لحل سياسي حقيقي في البحرين دون أن يكون ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة جزء منه. فالملك لا يزال يتصرف في حدود مملكته ويحكم بما يشاء ويشتهي، ولن يستطيع ولي العهد أن يتجاوز صلاحيات أبيه وسلطة أو أن يقطع ذراع الملك (الخوالد) الممتدة والمُحكمة سيطرتها على المؤسسة العسكرية ومجلس الوزراء. وهو مشهد يعود بالبحرين للعام 1923 إبان فترة حكم الحاكم المعزول عيسى بن علي ال خليفة (1869 - 24 ديسمبر 1932)، وقتئذ تيقن (الوصي) البريطاني أن عيسى بن علي هو عنوان المشكلة وجوهرها، وأن لا نافذة إصلاحية ليطل الحاكم المنبوذ على شعب البحرين منها مجدداً.
وعليه، لا تكمن حلحلة الأزمة السياسية في البحرين عبر (حوار) أو (حركة إصلاحية) يكون الملك جزء من رعايتها أو صناعتها، أو حتى مؤهلاً ليستفيد من مخرجاتها لتكون التطور الطبيعي لما يعتبره هو المشروع الإصلاحي الذي بدأه العام 2001، فالملك على الأرض فقد شرعيته وقدرته على الإقناع والتأثير، بل أصبح – بحسب البعض - عنوان الأزمة وشعارها. وفي الخلاصات: المستبعد هو أن تنضج تسوية ولي العهد في ظل وجود الملك، والمستحيل: هو أن يكون (هو) جزءاً منها.
وأن يكون الملك جزءاً من الحل فهذا يقتضي بطريقة او أخرى أن يغادر المشهد السياسي كاملاً، فيكون السؤال الرئيس في هذه المقالة خاطئاً. وعليه، يبدو أن قوى المعارضة تدور في حلقة مفرغة، تراهن فيها على حصان خاسر.
يزيد الأمور تعقيداً، تشكيك البعض في أي مقارنة بين عيسى بن علي وحمد بن عيسى، فالوصي الجديد (السعودية) ليس من هواة التغيير، فضلاً عن أنه لا يبدو متحمساً لولي العهد الذي يبدو أنه لا يروق لأهواء الرياض ولا يتناسب مع أهدافها. نعم، ليس من المعقول أن لا يكون الإخوة الكبار (الولايات المتحدة) و(بريطانيا) قد فكروا في مثل هذا الخيار، لكن التوقيت وتعقيدات الإقليم قد تستبعد هذا التغيير، أو تؤجله إلى حين.
* صحافي من البحرين.