» رأي
الثورة البحرينية وتحديات الراهن والمستقبل
إيمان شمس الدين - 2013-01-07 - 8:23 ص
إيمان شمس الدين*
بعد مرور عامين على انطلاق شرارة الحراك المطلبي السلمي لشريحة كبيرة من أبناء البحرين الأصيلين، تحققت إنجازات كثيرة وواقعية بهذا الحراك على مستويات عدة أهمها: مستوى وعي الجماهير ومستوى الخطاب الديني ومستوى دور المرأة ومستوى وعي شباب الثورة وتطور دبلوماسية التكنولوجيا الإعلامية التي كان لها دور كبير في كشف الإنتهاكات الحقوقية وتوثيقها وتعرية كذب النظام البحريني.
فعلى مستوى وعي الجماهير كان للجمعيات المعارضة دورا محوريا في عقد دورات واستكمال برامجها وتطويرها بما يتناسب وراهن الحدث الثوري. إذ عمدت لتغطية أكبر شريحة ممكنة من المجتمع من مختلف الأعمار والتوجهات بهذه البرامج والدورات التي ركز غالبها على ترشيد الشعارات وفلسفتها والتوعية الحقوقية والقانونية خاصة فيما يتعلق بالسجناء والمحررين وكيفية تقديم دعاوى قانونية وتوثيق كل ما جرى عليهم أثناء الإعتقال.
وعلى مستوى الخطاب الديني فقد تبنى مبدأ الدولة المدنية في قيمها كالعدالة والمساواة والحريات المنضبطة والحقوق، ومبدأ المواطنة الصالحة وهو ما يعد خطوة إيجابية تدعم الاصلاحات المطلوبة شعبيا بكافة مشاربها وتوجهاتها، حيث يعتبر خطابا، جمع الجميع تحت مظلة واحدة، ومع علمنا أن الشعب البحريني متدين بطبعه وهو ما يجعل للخطاب وجاهته وبعده الوجودي في عقلية الجماهير وتطوير مفهومها عن الدولة والحكم وفق أسس يكون فيها الشعب مصدر السلطات ويكون مؤهلا لذلك سياسيا، ثقافيا وفكريا.
ولقد كان للمرأة كلمتها في دعم مسيرة الوعي على مستويات عدة: وعيها الذاتي بأهميتها كدور ووظيفة ليس فقط في الثورة وإنما في الدولة والحكم والسياسة، وعي الجمعيات الإسلامية بأهمية تطوير رؤيتها حول المرأة بما يتناسب وتقدم دورها في الثورة وريادتها لكثير من ساحاتها وميادينها مما حدا بجمعية الوفاق إلى تبني مشروع المرأة النائبة بعد تحقيق المطالب، وهو ما كان يصعب عليها تبنيه أو التقدم به كمشروع إصلاحي في رؤيتها للمرأة ودورها قبل اندلاع الحراك المطلبي.
وعي المؤسسة الدينية بأهمية ترشيد رؤيتها وخطابها الخاص بالمرأة والتصدي لعمل برامج ترشيدية وتوعوية تختص بالبعد السياسي وتنمي مهاراتها بل تدعم مسيرتها شرعيا، لما لذلك من أثر في توسيع قابلية القواعد الشعبية لمحورية هذا الدور وأهميته وهو ما كان يصعب عليها بهذا الزخم العالي قبل قيام الثورة البحرينية.
على مستوى شباب الثورة تم تنظيم الصفوف مناطقيا وفق دوائر مغلقة وأخرى مفتوحة تتحرك استراتيجيا وآنيا وفق متطلبات الراهن الأمني وتطوراته، وطبعا هذا تطور تدريجيا بعد عقد الجمعيات المعارضة ندوات عدة لتنظيم حراك الشباب وتوزيع مهامهم، إضافة للتعدد الموجود داخل جسد الثورة والذي بعض من أعضائه من الشباب المستقلين، لهم حراكهم وتنظيمهم وإيقاعهم على الأرض، وبعضهم الآخر في الجمعيات ومن ينسق معها من شباب الثورة وكلهم يصبون في مصب أخير، هو تحقيق المطالب الشعبية في الاصلاح والتغيير. إضافة لتطور الكفاءات الشبابية والمهارات التي اكتسبوها خلال عامين، حيث عجزت أجهزة النظام الأمنية أن تمنع الحراكات المطلبية وأن تمنع ممارسة الشعائر الدينية أو تمنع تسريب كل التوثيقات التي تدينها أو حجبها وهو ما اكتسبه الثوار من مهارات نتيجة ممارسات السلطة القمعية والمنعية.
على مستوى دبلوماسية التكنولوجيا الاعلامية كالتوثيقات التي تعلم طريقتها الثوار بل تحول كل مواطن إلى خبير يوثق ويصور ومن ثم يرسل ما لديه لمراكز حقوقية في البحرين أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا كبيرا في خلق أجواء إعلامية مناصرة لحراكها ومناهضة للنظام البحريني، وخلقت جبهة حقوقية في داخل البحرين وفي العالم الغربي الذي حققت فيه تقدما ملموسا إعلاميا على مستوى دعم قضيتها. فشكلت التكنولوجيا الاعلامية دبلوماسية جديدة في حراك الثورة.
يبقى أن هناك تحديات حقيقية قد تؤثر على راهن ومستقبل الثورة بعضها يمكن تجاوزه ووضع حلول له وبعضه متعلق بواقع الصراع في المنطقة وموقع الملف البحريني من التسويات بين القوى المتصارعة إن تمت هذه التسويات.
تحديات الوضع الداخلي:
وهي على مستويين:
الاول: مستوى النظام وتجذر التيار المتشدد والمدعوم من المملكة العربية السعودية من جهة وبريطانيا من جهة أخرى سواء عسكريا أو لوجستيا أو أمنيا والذي يمارس سياسة القبضة الحديدية لردع الثورة على حساب تيار آخر داخل النظام يميل للبرلة نوعا ما والحوار وقيام ديموقراطية متقدمة عما كانت عليه وفتح باب الحوار مع كافة الأطراف.
ويساند التيار المتشدد الفوبيا المذهبية التي نجح في ترسيخها في ذهنية شركاء الوطن وأعني بهم السنة الذين باتت مخاوفهم عميقة من شركائهم في الوطن بعد أن نجح التيار المتشدد في تعميق هذه المخاوف من تمدد الشيعة عبر إيران وهيمنتهم على الحكم ومن ثم تهجير أو تهميش السنة، ومن جهة أخرى عمد إلى تعزيز موقعية السنة ومكتسباتهم بمزيد من النفوذ في مواقع متقدمة في الدولة ومزيد من الأموال والأملاك بما يدعم التفافهم أكثر حول هذا التيار المتشدد، إضافة إلى استخدامه ورقة ديموغرافيا البحرين واللعب على الثقل العددي الذي يمثله الشيعة في البحرين ليضعف من ثقل حراكهم كأغلبية ويضاعف من عملية التجنيس لقلب كفة الميزان من خلال زيادة تعداد السنة بالتجنيس وشراء ولائهم له من خلال ما يقدمه لهم من مميزات تفضلهم على ابن البحرين الأصلي لا لشيء إلا لأنه طالب بحقه في بناء مستقبل وطنه، الميزان العددي الديموغرافي يلعب دورا مهما في ارتفاع نسبة المؤيدين لهذا النظام قبالة المعارضين في حال لجأوا إلى أحد مفاصل الصراع لعمل استفتاء جماهيري، إذ أنهم استطاعوا فعليا فك عوامل الارتباط بين غالبية السنة والشيعة في الحراك المطلبي بعد تعميق حالة الخوف لدى السنة من جنوح الشيعة للاستيلاء على الحكم وتهميشهم.
هذه التركيبة تزيد من الدوائر الملتفة حول هذا التيار بما يعزز من وجوده ويدعم من خطواته وخياراته دعما شعبيا وإن كان مصطنعا ويصبح اختراق هذه التركيبة أمرا معقدا خاصة أن المفاصل المهمة في الدولة هي تحت إمرته وقيادته.
المستوى الثاني هو مستوى المعارضة بما تشكله من جمعيات سياسية متفقة على شعار إصلاح النظام ومجاميع شبابية منظمة وعالية الأداء وجلها تحت شعار إسقاط النظام.
فرغم الحراك الذي يبدو موحدا ومنسقا على أرض الميدان إلا أن الخلاف حول الشعار يبرز عمق الاختلاف حول الاليات المتبعة في تحقيق الشعار، وهذا الإختلاف ليس على غرار اختلاف في الرأي أو ماشابه، بل بدأ يصبح اختلافا جذريا تحول إلى اختلاف في الإيديولوجيا والعقيدة وأعني بها العقيدة السياسية التي ترسم معالم الثورة وخطواتها وألياتها.
فضعف تيار الحوار داخل النظام وعدم قدرته على الوفاء بوعوده الإصلاحية انعكس سلبا على شعار إصلاح النظام الذي بدأت تضيق رقعته الجماهيرية نتيجة تصاعد وتيرة القمع والاضطهاد وهو ماجعل الجمعيات السياسية وخاصة الوفاق أمام حرج حقيقي ومأزق واقعي غير قادر على التفاعل مع دعوات الحوار التي تنطلق بين الحين والآخر، وسرعان ما يتم وأدها ودفنها تحت التراب السياسي للتيار المتشدد وهو ما دعّم من تنامي جبهة شعار إسقاط النظام الجماهيرية. وعلى ضوء ذلك من الممكن إطالة أمد هذا الحراك لتداعيات هذا الشعار على الوضع ليس البحريني فقط بل وضع المنطقة الخليجية برمتها، وهو ما دعى دول مجلس التعاون مؤخرا إلى تبني الاتفاقية الأمنية بعد تعديلات بسيطة لم تعد ذات أهمية أمام بنود ترسخ من وجود نظام الحكم الوراثي القائم على تحالف العائلة مع القبيلة وسلطة الفتوى.
تحديات الوضع الإقليمي:
وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري وما سيتبعه من تسويات خاصة مع تصدي دول خليجية كقطر والسعودية فيما يحصل في سوريا وتشدد موقفهم حيال التسويات المطروحة، وهو ما يعكس تشددا أكبر حيال ملف البحرين كون البحرين دولة تربطها حدودا مع كلا الدولتين، فإن كانت السعودية وقطر تعتبر مسألة سوريا مسألة تمس أمنها وسيادتها وتتشددا في التسويات فإن الوضع البحريني سيكون الموقف فيه أكثر تشددا.
وهذا لا يعني عدم وجود نافذة أمل، بل يعكس مدى تشابك الملف البحريني داخليا وخارجيا بتشابك مصالح دول لها ثقلها العالمي والاقليمي ولها مصالحها التي بعضها يعتبر وفق توصيفها يمس أمنها القومي.
هذه التحديات تتطلب تظافر جهود المعارضة في تقريب الهوة بين صفوفها على مستوى الشعار، وبالتالي مستوى تطبيقاته وآليات التطبيق واستراتيجيات الحراك السياسي داخليا وخارجيا.
هذه التحديات ليست بسيطة لكنها ليست مستحيلة الحل والتطويع، لكن تتطلب تضافر جهود المعارضة داخليا لتقريب وجهات النظر وخارجيا لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية لتشكل ضغطا على التيار المتشدد خاصة فيما يتعلق بالملف الحقوقي وتوثيقاته التي تحرج تلك الدول وتدفعها للضغط على النظام البحريني.
ويبقى السؤال.. هل ستكون المعارضة أكثر قدرة بعد مرور عامين على مواجهة هذه التحديات كما نجحت فيما تم ذكره سابقا في بداية المقال؟
هذا ما ستكشف عنه الأيام اللثام.
*كاتبة من الكويت.
Chamseddin72@gmail.com