نهلة الشهال في حوار مع "مرآة البحرين": قمع انتفاضة البحرين استثمر الطائفية المؤججة في المنطقة

2011-05-15 - 4:39 م


عرف البحرينيون الدكتورة نهلة الشهال من خلال مقالتها "البحرين: الانتفاضة المنسية" التي قدمت فيها مقاربة رصينة للحراك الديمقراطي الذي انطلق في 14 فبراير/شباط، مستخدمة لذلك خلفيتها في علم الاجتماع. جاءت المقالة بمثابة البلسم للهبة الشعبية التي تعرضت للتشويه في ظل سطوة الغطاء الإعلامي السعودي، ووسط الصمت العربي.
نهلة الشهال، أستاذة علم الاجتماع السياسي في جامعة لبنان سابقا وعضوة مركز أبحاث سياسي في باريس ورئيس تحرير مجلة "خماسين" التي ستصدر نهاية هذا الشهر في أربع لغات.
مرآة البحرين فتحت حواراً مع نهلة الشهال حول الحدث البحريني وحول الاستقطاب الطائفي ودور المثقف.


مرآة البحرين: إلى من تمتد علاقتك بالبحرين: الأشخاص أم القضايا أم الاهتمام العام؟

نهلة الشهال: الثلاثة معاً. البحرين مجتمع مدني أولاً وليس خيمة فوق بئر نفط. هو مجتمع عريق ولديه تقاليد نضالية. البحرين واحدة من بارومترات رصد ما يجري في المنطقة. لا أقول إنها حالة وحيدة في الخليج لكنها حالة مميزة.
ثانياً نعرف أن في البحرين حركة ثقافية وفكرية وصحف، وبالتالي هي جزء من وجداننا، ليس ممكنا أن ينسى أحدنا البحرين حين يحكي عن المنطقة العربية.
السبب الثالث هو الصداقات. تعرفت على بحرينيين مميزين وصاروا قريبين من قلبي. وطبعا هذه هي الأسباب الثلاثة علاوة على السبب المباشر، أي أنه بلد حدثت فيه انتفاضة فعلية تتوافر على كل عناصر الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي، وقمعت بطريقة معيبة. القمع هناك كان أشرس من سواه. ترافق هذا القمع مع صمت. وهذا الصمت مصدره عدم اكتراث أو تأييد في بعض الأحيان. سببه طغيان  الاستقطاب الطائفي على المنطقة، مما جعل الناس عاجزين عن أن يروا الانتفاضة بأهدافها الفعلية، وتغلبت عندهم الغرائز الطائفية على أي شيء آخر.


مرآة: الاستقطاب كيف تفسرينه؟

الشهال: الاستقطاب الطائفي عُمل عليه طويلا. هو موجود منذ بعيد، لن أقول مؤامرة. لكن جرى تسعيره. ليس في لبنان مع أن لبنان بُناه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي بنية طوائف، وتوازنات بين الطوائف، وصفقات بين الطوائف تاريخياً، وبدا أن لبنان هو مركز توريد الاستقطاب الطائفي. في حين أن الاستقطاب ولد فعليا بهذا الحجم وهذه الفعالية في العراق نتيجة الاحتلال الأميركي، وكان هو واحدة من أدوات الاحتلال.
الأميركان طوروا مسألة ضمن العملية السياسية أسموها ديمقراطية المكونات، ليست هي ديمقراطية بشكل عام، ولكن هي ديمقراطية المكونات. هذا نموذج جرى تصديره بطريقة فجة إلى العراق.


مرآة: هي نفسها الديمقراطية التوافقية؟

الشهال: لا التوافقية مصيبتها أقل. لأن ديمقراطية المكونات، إذا كانت حصتك ٢٠٪ في الدولة فالمفروض مبدئيا تطلع لك ٢٠٪. إذا عملت قليلا من الشغب والمشاكل قد توصل حصتك إلى ٣٠٪. فجرى تفكيك العراق على أساس فكرة إعادة تركيبه وفق ديمقراطية المكونات وهذا فتح الباب على صراع هو في الأساس طائفي مركب على مناطقي وطائفي.
ليس فقط أميركا، إيران عليها أيضاً مسؤلية كبيرة في تسعير الطائفية في العراق لأن المسلك الإيراني في العراق كان مسلكا يعتبر العراق حديقة خلفية لإيران، ويعتبر أنه يريد أن ينتقم منه بسبب حرب صدام حسين، ولأنه بلد كبير يخاف منه، فالإيرانيون لعبوا في الحقيقة ضمن محاولة التسعير الطائفي في العراق التي نجحت في فترة من الفترات، لكن الآن تم تجاوزها عراقيا ولكن ليس بنيويا. لعبوا دورا سيئا وهذا الدور كان دورا رديفا للدور الأميركي. الاستقطاب أثر على كل المنطقة إلى درجة أننا صرنا نسمع بالمغرب والجزائر التي هي بلدان سنية، يتحدثون عن الشيعة ومطامع الشيعة. صار هناك تشويه. حتى عملية احتلال العراق شوهت بسبب التحليل والرداء الطائفي الذي ارتدته. الاستقطاب الطائفي تم العمل عليه. بدا كأنه قناة الوعي المطروحة على الناس لتغرق في لجتها كل مستويات الوعي الأخرى. الآن يحدث شيء في البحرين، يقولون أن الشيعة يريدون أن يلغوا السنة من الحكم. في الوقت الذي أعتقد أن قصة البحرين أعقد من هذا.


مرآة: كيف تحللين قضية البحرين من زاوية السعار الطائفي؟

الشهال: أنا لست بحرينية ولست خبيرة بشؤون البحرين، لكني مراقبة مهتمة جداً، لم أكن مراقبة محايدة. تحرك دوار اللؤلؤة كان تحركاً احتجاجياً سياسياً واجتماعياً. لم تكن هذه الحركة مفاجأة، باعتبار تاريخ النضال البحريني النقابي والمطلبي والاجتماعي، وبالتالي كان بديهياً أن البحرين بلد مرشح لمثل هذا التحرك في هذا الوقت. السؤال الآن هل أن أي تحرك في بلد أغلبيته من الشيعة، يكون تحركاً شيعياً، وتكون غاياته شيعية، ويريد إلغاء الحكم السني؟ بمعنى أن يتحول آل خليفة لممثلين للسنة، وتتحول الحركة الشعبية إلى ممثلة للشيعة؟ هذه مصيبة.

الأمر زاد واستفحل بدخول قوات درع الجزيرة والقوات السعودية بالدرجة الأولى، والقمع تعمد أن يكون طائفياً. فقد رافق هذا القمع خطاب يقول أن ما حدث هو تدخل إيراني، وأن الشيعة في البحرين يريدون أن يحكموا البحرين وأن ينقلبوا على الحكم السني ويستولوا عليه. الميكانزمات التي استخدمت لقمع الانتفاضة الشعبية هي ميكانزمات تعمدت اتخاذ طابع طائفي وتغذيته لحظة بلحظة لأن هذا يسهل حصول الاستقطاب. وهذا ما حدث فعلاً. أعتقد في البحرين الآن من الصعب أن يتكلم الناس كلاما منطقيا ويتجنبوا حالة الاستقطاب الطائفي، لأن القمع صاحبه خطاب يقدم الصراع أنه صراع بين الشيعة والسنة لا بين الشعب والنظام.


مرآة: كيف تحللين أنت الصراع، أي ترينه بين من ومن؟

الشهال: أعتقد أن الحركة في البحرين هي جزء من الحركة العامة التي نشأت بالمنطقة. ثورات تطالب بتصحيح الأوضاع بهذه المنطقة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بعد ان استُنزفت هذه المنطقة تماماً من قبل أنظمة حكم تحولت إلى قشرات رقيقة في مجتمعاتها، تتصرف على أساس أن بلدانها ملكية فردية لها. في البحرين بدأ التحرك بمملكة دستورية وهو ليس مطلبا ثوريا أو جديدا. هناك مفاوضات قديمة حول هذا الموضوع. أنا أرى أنه مطلب معتدل كثيراً. ولم يكن يتطلب ردة فعل من نوع اعتبار الأمر مؤامرة كبرى. قد تكون تصريحات معينة لإيران مدت الخطاب الذي كان في الأساس طائفياً ببعض المبررات، لكن أكثر من هذا لا يوجد.


مرآة: كيف تقيمين وضع المثقفين فيما جرى في البحرين؟

الشهال: لست متابعة كثيراً لخطابات المثقفين. لكن أعتقد أن النخب في بلادنا دُجنت على مدى الخمسين سنة الماضية ومنها المثقفون، وهم لم يلعبوا دوراً في هذه الثورات، لا في البحرين ولا في مصر ولا في تونس ولا في سوريا ولا في أي مكان به نار تحت الرماد. هذه الأنظمة موجودة منذ زمن طويل، وقد نجحت أن تجعل المثقف إما هامشياً، أو مهاجراً، أو يدخل في الرضا ليحصل على منافع ومكاسب تجعله مرتاحاً ومرفهاً. طبعا هناك من أخذ مواقف نزيهه موضوعية. النقطة الثانية يجب على المثقف أن يقترح طريقة و ليس فقط أن يتخذ موقفاً بل يكون طليعة.
كتبت مقالات عن البحرين وكنت وفية لأن الموقف الذي ذكرته غير مبسط ولا يمثل خطاً واحداً. قسم من أصدقائي الشيعة شكروني وآلمني ذلك لأن هذا موقفي وكنت وفيه لموقفي لا لجماعة معينة، أصدقائي السنة غضبوا مني  واعتبروني منحازه للشيعة، المعارضة البحرينية شكروني وقد آلمني ذلك لأني كنت أقوم بدوري لا أكثر ولا أقل.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus