الأول من يونيو: منْ يفتتحُ التاريخ الجديد أولاً؟
نادر المتروك - 2011-05-28 - 3:00 م
نادر المتروك
في تلك المرّة التي أرادَ الحكمُ العسكري في البحرين إدارةَ الأزمة، وقعَ في الخطأ الأوّل. عندما تبيّن أنّ الكلفة باهظة، وأخذَ العسكرُ يتلمّسون طُرقَ الخروج من الأزمة؛ تمّ تكرار الأخطاء القديمة. ولكن، ما يعدّ جنوناً للعسكرتاريا المحلّيّة هو مروقها الهسيتري الذي فوّت عليها الإبقاء على كثيرٍ من "خطوط الرّجعة". إنّه الخطأ القاتل.
لا يمكن لأيّ نظام أن يدوم بلا شعب. مُتاحٌ لأية سلطةٍ تملكُ القوّة أن تضعَ الشّعب كلّه فوق لهيبِ النّار. تستطيعُ أنْ تستعينَ بأطنانٍ من الجماعات المستوردة. ببساطةٍ أيضاً، تقدرُ السّلطة أن تستخدم وسائل غير محدودةٍ لتملأ الشّعبَ بألوانٍ من الرّهاب تجاه بعضه البعض. لكن ماذا بعد؟
مهما طالَ الأمرُ، فالنّظام سيمدّ عنقه تجاه شعبه. سيطلبُ منه الرّجوع، وإعادة أواصر الوصال والقربى. سيفعلُ النّظام ذلك لأنّ بقاءه لا يكون إلا بذلك. طالَ الوقتُ أم قصُر. فعلَ ذلك بنفسه أم عبر الوسطاء. تمّ ذلك عبر طلبٍ عزيز، أم رجاء حار. سيفعل ذلك حتماً. وهذه أبجديّة سُننيّة لا يُكابرُ عليها إلا توّاق للاضمحلال والفناء.
مشكلة النّظام في البحرين أنّه وُرِّط في خياراتٍ حرقت خطوط الرّجعة، واحداً واحدا. الأصواتُ لازالت ترتفعُ وهي تُطالبُه بعدم "الخضوع" للخونة والحوار معهم، وهناك منْ وجد نفسه غارقاً في كرهه لشعبه، حدّ أنّه بات يكره نفسه ويدعو عليها بالويل والعار والخروج من الدّيار، إنْ هي فتحت ذراعيها للصفويين الالتحاقيين، فهذه مسألة "حياة أو موت" كما عبّر أحدهم.
تلك هي المعضلة، وليس غيرها!
لا أحد يملكُ القدرةَ على الاستمرار في الوضع الحالي؛ النّظامُ العنيدُ (وملحقاته)، والشّعبُ المعاندُ معاً. النّظام استهلكَ كلّ ما لديه من آلاتِ الحرب، وليس لديه ما هو أكثرُ من الحرب، غير العودة للسّلم. والشّعبُ المكروب ليس لديه ما هو أكثر من السّلم، غير العودة إلى حرب الشّوارع. إذا كان النّظامُ لا يرغب في السّلم، فالشّعب اعتاد - فيما مضى - البقاءَ في الشّوارع وإلهابها بالإطارات الحارقة ودوّي السّلندرات. إسقاطُ السّلم يعني: الدّمار الشّامل. وإلهابُ الشّارع يعني: طيْ مرحلة 14 فبراير. والنتيجة في كلا الحالتين: تساقطُ الإقليم كلّه علينا، ولا رابح بعدها إلا غيرنا!
الحل؟
الأوّل من يونيو سيكون اختباراً للجميع. منْ يفتتحُ المرحلة الجديدة أولاً؟
النّظامُ مكبَّل. والشّعبُ باتَ يعدُّ لحظة العودة. العدّ التّنازلي لا يسمح بمزيدٍ من التفكير وتقليب الأوراق. على النّظام أن يختارَ طريقه. ولكي يختار جيّداً، الأفضلُ له أن يُسارع إلى إسكات "الوسواس الخنّاس" الذي يلحّ عليه لتقطيع ما لم يُقطَع.
أبقى النّظام على جمعية "الوفاق" (ورموزها) خطّاً للرّجعة المرتقبة، وهو يعلمُ أنّ الأمور لم تكن كلّها بيد "الوفاق"، ويمكن ألا يكون للأخيرةِ إلا القليل في حال لم يستعجل منْ تبقّى من "عقلاء" لمدّ الخطوط والرّجوع إليها.
الحدودُ ضيّقة، والجماعة المتطرّفة تتزايد حول النّظام، وتريده قمعيّاً على الدّوام. ولأنّ للنظام حسابات مختلفة، فلن يتماثل بالمطلق مع الجماعات الاستئصاليّة التي اختارت العزلة، وفضّلت لنفسها أوصاف "شعب الفاتح"، و"أبناء الفاتح". النظامُ سيتركُ هذه الجماعات تصرخُ كما تشاءُ ضدّ المعارضة، وسيمنحها الحرّية لإطلاق النّعوت التمزيقيّة كما تشاء أيضاً، وسيأخذ من صراخها ما يحتاجُه لإدارة الأيام المقبلة التي وضعها وليّ العهد في إطار: "كلّ الأطراف أخطأت، وهناك دروس ممّا حدث".