تخيّلات الأجهزة الأمنية: الإعلانات مصدر تخريب!!

2025-12-12 - 4:40 م

مرآة البحرين : مسرحيات الدولة في البحرين لا تنتهي. لا يكاد يمرّ يومٌ إلّا وتقدّم السلطة دليلًا على ضيق ذرعها بكلّ حركة في البلد قد تظنّ ولو شُبهةً، أنها تقصدها.

مناسبة هذا الحديث ما تعرّض له الإعلامي والمصوّر سيد باقر الكامل و الممثل والناشط الاجتماعي حسين السماك قبل أيام، بعد نشر الكامل إعلانًا ترويجيًا لمحلّ يبيع الإطارات داخل البحرين، ثمّ توقيفهما.

الخبر الوارد في وكالة أنباء البحرين الرسمية يقول إن وزارة الداخلية أعلنت أن إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بالإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني قامت بتوقيف شخصين إثر قيامهما بنشر إعلان ترويجي يحتوي على أفعال مخالفة للقانون.

وأوضحت الإدارة أنه في إطار الرصد والمتابعة المستمرة لما يُنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تمّ رصد المحتوى المخالف في إحدى المنصات الإلكترونية، حيث باشرت على الفور عمليات البحث والتحري التي أسفرت عن تحديد هوية المذكورين واستدعائهما وتوقيفهما، مشيرة إلى أنه جار اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تمهيدًا لإحالة القضية إلى النيابة العامة.

وأكدت الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني على أهمية الالتزام بالأنظمة والقوانين والتحلّي بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والامتناع عن نشر أو تداول أي محتوى مخالف، مشددة على مواصلة اتخاذ الإجراءات القانونية حيال إساءة استخدام المنصات الإلكترونية، حفاظًا على النظام العام وصونًا للقيم المجتمعية.

تستطيع الدولة أن تُعلن ما تشاء وتدّعي ما تشاء وتُلفّق ما تشاء، فهي السلطة وبيدها الأجهزة الأمنية، لكنّ هذا التوقيف بحدّ ذاته لا يمنحها ثقة فئةٍ وازنة من الشعب، لا تُصدّق أقوالها ومزاعمها ولا سيّما عند تكرار البيانات الخاصة بالتوقيفات الأمنية والاستدعاءات للتحقيق.
في الإعلان الترويجي، يظهر الكامل مع السماك وهما يتبادلان حوارًا ضمن قالب تمثيلي كوميدي بهدف تشجيع الناس على شراء الإطارات بناءً على متانتها وجودتها. المشهد أدّى الى تحسّس الأجهزة الأمنية السريعة والمفارقة الواضحة أن مجموعة من الوشاة والمحرّضين عملوا على تحميل الإعلان معانٍ مبالغ فيها من خلال القول إن "المحتوى الدعائي يستند إلى تمثيل أدوار تخريبية ارتبطت بسلوكيات التمرد والإضرار بالأمن العام والوطن، ومثل هذه المشاهد لا يمكن تبريرها تحت أي غطاء "إعلاني" أو "تمثيلي" ،لأنها تُشرعن بصريًا ممارسات خطيرة وتُسيء لقيم المجتمع وتطبع هذه الأفعال".
المسألة سريالية فعلًا. ما يجري هنا حرفيًا هو خلق مشكلة من لا شيء، واختراع "سالفة" غير موجودة. الهدف المحقّق من خلال ما تعرّض له الكامل والسماك، إن عبر إجراء وزارة الداخلية، وإن من خلال التحريض الذي أتى أُكله، يُشير الى أن هذا النظام ومن يعمل لديه من أُجراء وأجهزة أمنية، لا يستطيع أن ينظر الى أي تصرّف أو نشاط اجتماعي مدني مهما كانت صورته إلّا على أنه تهديدٌ لها أو مصدر إزعاج. حساسية فائقة تظهر في خطوة توقيف المواطنين البحرينيين. الدولة لا تشاهد سوى المؤامرات ضدّها، تتخيّلها حتى ولو كانت معدومة. المهمّ أنها تختلق عدوًا غير مرئي يريد التخريب عليها.

طبعًا تدّعي الدولة أن الإعلان يتضمّن ما يُخالف القوانين لتقدّم سردية مبرّرة كما تظنّ، لكنها، وأيضًا طبعًا، لم تذكر ما هو موضع المُخالفة تحديدًا؟ والحقيقة أن السلطة لا تخرج من عقلها البوليسي حتى في أبسط الأمور على أراضيها: الإعلانات. فهل تريد أن تتحكّم بسوق الإعلانات الشعبية وتخنق روّادها والعاملين فيها أيضًا؟